المصور والمشاركين في اللوحة، أما إيكاروس فليس سوى ساقين غير ملحوظتين تغوصان في البحر بشكل مضحك. وفي لوحته "العاصفة" لا تكاد ترى الإنسان، فهو ضائع عاجز بين حرب العناصر وبطشها.
ويبلغ فن بروجل وفلسفته قمتهما في اللوحات الخمس الباقية من مجموعة خططها لبيان تقلبات العام. ففي لوحة "حصاد القمح" يصور تخطيطياً قطع حزم القمح وتكديسها، وترى فيها العمال يتناولون غداءهم أو يرقدون في إغفاءة في قيظ الصيف وسكون هوائه الواضحين. وفي لوحة "حصاد الدريس" يحمل الصبيان والبنات فاكهة الحقول الخريفية في سلال على رءوسهم، ويشحذ فلاح منجله، وتقلب الدريس نسوة أشداء، ويرفعه الرجال إلى أعلى حمل العربة، وتمضغ الخيل طعامها في فترة راحة. ولوحة "عودة القطيع" نذير بقدوم الشتاء- فالسماء تكفهر والماشية تساق عائدة إلى مرابطها. وأجمل لوحات المجموعة هي "الصيادون في الثلوج"، وفيها ترى الأسطح والأرض بيضاء ناصعة، والمساكن تنتظم في منظور مدهش على طول السهول والتلال، والرجال يتزلقون ويلعبون الهوكي ويسقطون على الجليد، والصيادين وكلابهم ينطلقون لاقتناص الطعام، والأشجار عارية ولكن زقزقة العصافير في الأغصان تبشر بمقدم الربيع. أما لوحة "اليوم الكئيب" فهي الشتاء مكفهراً إكفهرارة الوداع. في هذه اللوحات بلغ بروجل قصاراه، ووضع سابقة لرسم مناظر الثلوج ليحتذيها فن الأراضي المنخفضة المقبل.
ولا يستطيع الحكم على هذه الصور في مرتبتها وأسلوبها الفنيين سوى رسام أو خبير. ويبدو بروجل قانعاً بأن يعطي أشكاله بعيدين، ولا يكترث لخلط الظل بمادتها، وهو يترك لخيالنا أن يضيف لبعديه