الجسد ليس سوى عظم وجلد، والعينان مفتوحتان بصورة رهيبة، والشعر أشعث، والفم فاغر في جهد أخير للتنفس، كل هذا يبدو موتاً لا رجعة فيه، فلا عجب أن قال دستويفسكي عن الصورة أنها قد تدمر إيمان المرء (٢٦). وحوالي هذه الفترة رسم هولبين صوراً جدارية لقاعة المجلس الكبير في بال. فسر بها أعضاء المجلس، وكلفه أحدهم بأن يرسم لوحة مذبح لدير كارتوزي. وهذه اللوحة، واسمها "آلام المسيح" أوذيت في حوادث الشغب التي قامت في ١٥٢٩ لتحطيم الصور، ولكن أنقذ منها مصراعان، وأهديا لكاتدرائية فرايبورج- إيم- برايسجاو. وهما يستعيران الكثير من بالدونج جرين، ولكنهما يتفردان بقوة تتجلى في تلك الحركة العجيبة للضوء المنبعث من "الطفل". وفي عام ١٥٢٢ طلب كاهن مدينة بال لوحة مذبح أخرى. وقد استخدم هولبين في رسم هذه "المادونا" ذات الجمال الهادئ- والمحفوظة بمتحف الفن بسولوتورن- زوجته وابنه نموذجين، وكانت الزوجة يومها امرأة ذات حسن متواضع لم تمسه المأساة بعد. ولعله حوالي هذه الفترة (٢٧) أخرج رائعته الدينية "العذراء والطفل مع أسرة العمدة ماير"- وهي فريدة تكويناً وخطاً ولوناً، حارة عاطفة. وفي وسعنا أن نفهم في تعاطف أكثر صلاة العمدة للعذراء إذا علمنا أن ولديه المرسومين عند قدميه، وإحدى الزوجتين الجاثيتين إلى اليمين، كانوا قد فارقوا الحياة.
ولكن أجر هذه الصور الدينية كان ضئيلاً بالقياس إلى ما تطلبته من عناية وجهد. وأما صور الأشخاص فأربح للمصور، الذي اقتضاه ازدياد أفراد أسرته مزيداً من نفقات إعاشتهم. ففي عام ١٥١٩ رسم هولبين صورة للعالم الشاب بونيفاكوس أمرباخ- وجه نبيل ما زال محتفظاً بالمثالية رغم النظرة الثاقبة إلى العالم. وحوالي عام ١٥٢٢ رسم لوحة للطباع الكبير فروبن- رجل متفان في عمله، قلق، برته