صوره وأصدقها، ترينا أسرته بواقعية لم يضن بها على نفسه. فكل وجه من الوجوه الثلاثة قد غشيه الحزن، الفتاة مستسلمة بل تكاد تكون يائسة، والصبي يتطلع إلى أمه مكتئباً، أما هي فترمقهما بأسى وحب انعكسا انعكاساً عميقاً في عينيها- أسى زوجة فقدت حب زوجها، وحب أم لا يربطها بالحياة سوى ولديها. وترك هولبين أسرته ثانية بعد ثلاثة أعوام من رسمه هذا الاتهام الرائع لشخصه.
ورسم خلال إقامته هذه في بال لوحة أخرى لفروبن، وست صور لإرزمس يعوزها تميزت به صور ١٥٢٣ - ٢٤ من عمق شديد. وجدد مجلس المدينة طلب رسوم جصية لحجراته، ولكنه شجب الصور الدينية كافة مستسلماً لمحطمي الصور المنتصرين، وأفتى بأن "الله لعن جميع من يصنعونها"(٣١). وهبط الطلب على الصور، وفي عام ١٥٣٢ عاد هولبين إلى إنجلترا.
وهناك رسم صوراً بلغت من الكثرة حداً ظهر معه معظم الأشخاص، الذين سيطروا على مسرح الأحداث في إنجلترا خلال تلك السنوات الصاخبة، وقد دبت فيهم الحياة بفضل ريشة هولبين الساحرة. ففي مكتبة الملكة بقصر وندزور سبعة وثمانون رسماً تخطيطياً بالفحم أو الطباشير، بعضها أعد لرسوم هزلية، وأكثرها للوحات، والظاهر أن الفنان لم يحتج لأكثر من جلسة أو جلستين من أصحاب رسومه، ثم صورهم على لوحاته نقلاً عن هذه الرسوم. وسعى التجار الهانسيون في لندن إلى فنه، ولكنهم لم يوحوا إليه بأفضل ما عنده. وقد رسم لقاعة نقابة الهانسيين صورتين جداريتين، محفوظتين في نسخ أو رسوم لهما فقط، مثلت إحداهما "انتصار الفقر"، والأخرى:"انتصار الغنى". وكلتاهما معجزة في الشخصية المميزة، والحركة الحية، والتصميم المتماسك، وهما توضحان شعار النقابة- "إن الذهب أبو الفرج وابن الهم، المفتقر إليه حزين، والمالك له قلق (٣٢) ".