القائم، الذي يغص بكثرة ما فيه من آلام، ولا يأخذه التردد في الموت (٧٥)؛ وإنه لمما يفيدنا أن نرى كيف يناقش مفكرو الهنود هذه المسائل في هدوء، وقل أن يلجئوا فيها إلى اضطهاد أو إهانة، فقد كانوا يرتفعون بالنقاش إلى مستوى لا يسمو إليه في عصرنا الحاضر إلا ما يدور بين أنضج العلماء من جدل؛ وإنما ضمن "كابيلا" الوقاية لنفسه من الأذى باعترافه بصحة الفيدات، وهو يقول "إن الفيدات مرجع صحيح ما دام مؤلفها كان يعرف الحقيقة الثابتة"(٧٦) وبعد أن أرسل هذا القول إرسالاً راح يفكر كما يشاء دون أن يأبه بالفيدات في شيء.
لكنه ليس بالفيلسوف المادي، بل عكس ذلك هو الصحيح، لأنه مثالي وروحي على طريقته الخاصة به، فهو يجعل إدراكنا الحسي مصدراً للعالم الواقع كله، فما لدينا من أعضاء الحس ومن تفكير يخلع على العالم حقيقته وصورته ومغزاه، ويستحيل عليه أن تكون له حقيقة أو صورة أو مغزى بالنسبة لنا إلا هذه؛ أما ماذا يمكن للعالم أن يكون في حقيقته بغض النظر عن حواسنا وأفكارنا فسؤال أخرق ليس له معنى ولا يمكن أن يكون له جواب (٧٧)؛ ثم هو بعد أن يسرد قائمة بأربعة وعشرين عنصراً (تاتوات) تنطوي - في مذهبه الفلسفي - تحت حركة التطور الفيزيقي، قَلَبَ ماديته هذه التي بدأ بها، وأضاف جانباً جديداً على أنه الحقيقة النهائية، وهو أغرب العناصر كلها، بل لعله أهمها، وأعني به "بوروشا"(أي الشخص) أو النفس؛ وليست النفس على غرار ثلاثة وعشرين من العناصر الأخرى، تأتي نتيجة للمادة (براكريتي) أو نتيجة للقوة الفيزيقية، بل هي مبدأ نفسي قائم بذاته، موجود في كل الوجود، أزلي أبدي، عاجز عن الفعل بذاته لكنه رغم ذلك لا يُستغنى عنه في أي فعل؛ لأن "براكريتي"(المادة) يستحيل أن تتغير في سيرها نحو الترقي، والقوى (وتسمى الجونات) يستحيل أن تفعل فعلها، إلا عن طريق الوحي يأتيها من "بوروشا"؛ وهكذا ترى ما هو فيزيقي تدب فيه الحركة والحياة والفاعلية بحيث يتطور، بدافع من المبدأ النفسي أينما وجهت للنظر