المذهب فجوة، بل ليس في أية فلسفة هندية تمييز بين اللاعضوي والعضوي من الكائنات، أو بين عالم النبات وعالم الحيوان، أو بين الحيوان وبين الإنسان؛ فهذه كلها حلقات من سلسلة الحياة الواحدة، أو قل إنها قضبان عجلة التطور والانحلال، أي عجلة الولادة والموت ثم الولادة من جديد؛ وإنما يتحدد مجرى التطور اعتباطاً بتأثير الخصائص أو القوى (الجونات) الثلاث الفاعلة في "العنصر": ألا وهي الطهر والفاعلية والجهل الأعمى، وليست هذه القوى بذات هوى نحو التقدم مناهضة للانحلال، بل إنها تنتج الواحد في إثر الآخر على دورات لا تنتهي، مثلها مثل ساحر عابث يظل يخرج أشياء لا تنتهي صنوفها من قبعة، ثم يعيد وضعها في القبعة، ماضياً في هذه العملية إلى الأبد؛ كما يقول هربرت سبنسر في عصر متأخر هو أن كل مرحلة من مراحل التطور تحتوي في ذاته ميلاً إلى الانحلال باعتباره مكملاً لها ونهاية لا محيص عنها.
وكان "كابيلا" شبيها بلابلاس حين لم يجد ضرورة لفرض قوة إلهية يقسر بها الخلق أو التطور (٧٢)؛ وليس من الغرابة في شئ أن تجد ديانات أو فلسفات بغير إله في هذه الأمة التي هي أكثر الأمم إمعاناً في الدين والفلسفة؛ وإنك لتجد في كثير من نصوص "سانخيا" إنكاراً صريحاً لوجود خالق مشخص، والخلق عندهم شئ لا يمكن للعقل أن يتصوره لأن "الشيء لا يخرج من لا شئ"(٧٣) والخالق والمخلوق جانبان لشيء واحد (٧٤)، وترى "كابيلا" يكفيه اطمئنانا أن يكتب (كأنه "عمانوئيل كانت" على وجه الدقة) بأن الخالق المشخص يستحيل أن يقيم عليه الدليل عقل بشري، لأن كل ما هو موجود - في رأي هذا الشكاك الدقيق - لا يخرج على أحد فرضيتين، فإما أن يكون مقيداً أو حراً، ولا يمكن لله أن يكون هذا أو ذاك ولو كان الله كاملاً لما مست به الحاجة إلى خلق العالم، ثم لو كان ناقصاً لما كان إلهاً؛ ولو كان الله خيراً وله قدرات إلهية، لما أمكن قط أن يخلق عالماً على هذا النقص الذي نراه في العالم