ولا تنفك تتناول بالتغيير صور المادة التي منها يتألف تاريخ العالم الخارجي (٨٣)؛ وإذا استطاع "كابيلا" أن يشك في كل شئ، فإنه لم يشك قط في انتقال الروح من جسد إلى جسد.
وهو كسائر المفكرين الهنود ينظر إلى الحياة على أنها خير مشكوك فيه إلى حد كبير، إن كانت خيراً على الإطلاق؛ فقليلة هي أيام المرح، وقليلة هي أيام الأسى؛ والثروة شبيهة بنهر طافح بالماء، والشباب شبيه بجسر متهدم لذلك النهر الطافح بمائه، والحياة شبيهة بشجرة على ذلك الجسر المتهدم" (٨٤)؛ والألم نتيجة لكون النفس والعقل الفرديين مقيدين بالمادة، وفريستين لقوى التطور العمياء، فأين المفر من هذا الألم؟ يجيب فيلسوفنا ألا فرار إلا بالفلسفة؛ لا فرار إلا بإدراكنا أن كل هذه الآلام والأحزان، وكل هذا الانقسام وهذا الفوران بين الأنفس المكافحة، إن هو إلا "مايا" أي وهمُ، هو زينة خادعة تصفُّها أمام عيوننا الحياة والزمن؛ "والعبودية تنشأ من غلطة عدم التمييز" (٨٥) - بين النفس التي تعاني الآلام وبين الروح المحصنة، بين السطح المضطرب وبين الأعماق التي تظل ممتنعة على كل اضطراب وتغير؛ فلكي تسمو على هذه الآلام، لا يقتضيك إلا أن تتبين أن جوهر الإنسان، وهو روحه، يجاوز حدود الخير والشر والسرور والألم والولادة والموت؛ هذه الضروب من النشاط والكفاح، وهذه الألوان من النجاح والهزيمة، لا تغمنا إلا بمقدار ما يفوتنا أن ندرك أنها لا تؤثر في الروح ولا تصدر عنها؛ والإنسان المستنير إنما ينظر إليها كأنما يبصرها من خارج حدودها فكأنه متفرج على الحياد ينظر إلى مسرحية ُتمَثل؛ فلتتبين الروح استقلالها عن الأشياء، وستظفر بالحرية من فورها؛ فعملية إدراكها لهذه الحقيقة كافية في حد ذاتها أن تهيئ لها الفرار من سجن المكان والزمان والألم والعودة إلى التجسد من جديد (٨٦)؛ يقول كابيلا: "إن التحرر الذي يظفر به الإنسان من إلمامه بالحقائق الخمسة والعشرين، يعلمه العلم الذي لا علم سواه - وهو وأنني لست موجوداً، ولا شئ يتعلق بي" (٨٧) ومعنى ذلك أن انفصال