وبعد عامين رحل فيساليوس عن أسبانيا لأسباب ما زالت محل خلاف. وقد روي أمبرواز باريه قصة مشرح أثار عليه غضب أسبانيا بأسرها لأنه فتح بطن امرأة كان الظن أنها ماتت من "اختناق الرحم"، قال باريه أن ضربة أخرى من مبضع الجراح ردت المرأة فجأة إلى الحياة، "الأمر الذي بعث في قلوب جميع أصدقائها من الإعجاب والرعب … ما جعلهم ينظرون إلى الطبيب- الذي كان من قبل واسع الشهرة طيب السمعة- نظرتهم إلى رجل مجرم بغيض"(٦٥)، ولا عجب فالأقرباء لا يقدرون دائماً مثل هذا الشفاء غير المتوقع. وواصل الجراح الهيجونوتي روايته فقال "لذلك لم ير سبيلاً أمامه إلا مغادرة البلاد إن ابتغى لنفسه السلامة". وروى هيجونوتي آخر يدعى لوبير لانجيه قصة كهذه (حوالي ١٥٧٩)، وذكر أن الطبيب هو فيساليوس، وزعم أن فيساليوس وقع تحت طائلة محكمة التفتيش لأنه شرح شخصاً حياً، وقد نجا من المحاكمة حين أخذ على نفسه عهداً بالحج إلى فلسطين تكفيراً عن خطيئته. والحادثة لم ترد في أي مصدر معاصر، والمؤرخون الكاثوليك يرفضونها لأنها في رأيهم قصة خرافية (٦٦). ولعل السبب لا يعدو أن فيساليوس مل البقاء في أسبانيا.
وعاد إلى إيطاليا، وأبحر من البندقية (أبريل ١٥٦٤)، ويبدو أنه بلغ أورشليم. وفي رحلة العودة تحطمت سفينته، ومات من التعرض للجو، نائياً عن أصدقائه، على جزيرة زنطة تجاه ساحل اليوناني الغربي (١٥ أكتوبر ١٥٦٤)، وكان يومها في عامة الخمسين. وفي هذا العام ذاته مات ميكل أنجيلو، وولد شكسبير. لقد كان البهاء الذي سطعت شمسه قرناً في سماء إيطاليا ينتقل إلى الشمال.