للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجراحة ودراستها. وأصبح فيساليوس طبيباً ثانياً لفيليب الثاني بعد أن اعتزل شارل الملك. وفي يوليو ١٥٥٩ أوفده الملك ليساعد أمبرواز باريه في محاولة لإنقاذ حياة هنري الثاني الجريح، ولجأ فيساليوس إلى اختبارات إكلينيكية أظهرت استحالة شفائه. وفي تاريخ لاحق من هذه السنة رافق هو وأسرته فيليب إلى أسبانيا.

في غضون ذلك أضاف آخرون جديداً إلى التشريح. فلاحظ جيامباتستا كانو صمامات الأوردة (١٥٤٧)، وشرح سرفيتوس دورة الدم في الرئتين (١٥٥٣)، ووصل ريالدو كولومبو إلى هذا الكشف ذاته (١٥٥٨)، وأثبته بإجراء تجربة على القلب الحي. ولكن سبعين سنة أخرى انقضت قبل أن يأتي هارفي بوصفه الخطير لسير الدم من القلب إلى الرئتين، فإلى القلب، فإلى الشرايين، فإلى الأوردة، ثم إلى القلب. وكان الطبيب العربي ابن النفيس قد سبق سرفيتوس عام ١٢٨٥ (٦٣)، وربما انحدرت الرواية المتواترة بنظريته إلى أسبانيا في شباب سرفيتوس.

وبقيت لفيساليوس بضع مغامرات. من ذلك أن الأطباء الوطنيين في البلاط الأسباني كانوا يصرون على إهمال تشخيصه باعتبار هذا موقفاً يحتمه الشرف. فلما شكا ابن فيليب الوحيد، الدون كارلوس، من ارتجاج في المخ إثر سقطة (١٥٦٢)، أشار فيساليوس بإجراء تربنة له. ولكن النصيحة رفضت، وأشرف الفتى على الهلاك. ووضعت على الجرح التمائم وآثار القديسين، وجلد الأتقياء أنفسهم توسلاً إلى السماء أن تشفيه بمعجزة، ولكن هذا كله لم يجد فتيلاً. وأخيراً أصر فيساليوس على فتح الجمجمة، ففتحت، وسحبت منها كمية كبيرة من الصديد. وما لبث الأمير أن تماثل للشفاء، وبعد إجراء العملية بثمانية أيام سار فيليب في موكب مهيب لتقديم الشكر لله (٦٤).