الاعتراف بمنجزات سابقيه وتقدير حساسية منافسيه. وبلغ ولعه بذلك "الإنجيل الصادق … ألا وهو جسم الإنسان وطبيعة الإنسان"(٩) مبلغاً جعله يؤذي شعور عدد كبير من أقطاب اللاهوتيين. وكان يشير في تهكم إلى رجال الكنيسة الذين يشتد إقبالهم على غرفة محاضراته حين يكون موضوع الدرس والعرض هو الأعضاء التناسلية (٦٠). وقد أثار عداء الكثيرين، ومع أن جسنر وفالوبيو رحبا بكتابه، فإن أكثر الأساتذة القدامى، ومنهم أستاذه السابق دوبوا، نددوا بالمؤلف بوصفه محدثاً وقحاً، وجدوا في تسقط العيوب في كتابه. وقال دوبوا إن جالينوس لم يخطئ، ولكن جسم الإنسان عراه تغير منذ عهد جالينوس، وعلى ذلك فعظام الفخذين الواضحة الاستقامة، والتي ليست مقوسة كما وصفها جالينوس، إنما هي في رأيه نتيجة لارتداء أورُبيّي عصر النهضة سراويل ضيقة (٦١).
وفي عاصفة من خيبة الأمل في موقف هؤلاء الرجال أحرق فيساليوس مجلداً ضخماً من كتاب "التعليقات" Annotationes وتفسيراً للأجزاء العشرة التي يتألف منها كتاب الرازي "كتاب المنصوري"-وهو موسوعة في الطب (٦٢). وفي عام ١٥٤٤ رحل عن إيطاليا ليصبح طبيباً ثانياً بين أطباء شارل الخامس الذي سبق أن أهداه في حصافة كتابه "فابريكا" Fabrica. ومات أبوه في نفس العالم تاركاً له ثروة طيبة. فتزوج وبنى بيتاً جميلاً في بروكسل. وصدرت طبعة ثانية لكتابه "فابريكا" عام ١٥٥٥، مزيدة ومنقحة. وقد بين الكتاب أن التنفس الصناعي يمكن أن يبقي على حياة الحيوان رغم شق صدره، وأن القلب الذي توقف نبضه يمكن أحياناً رد الحياة إليه باستعمال منفاخ. بعد هذا لم يضف فيساليوس جديداً إلى التشريح. فقد استغرق في العناية بمرضاه من أسرة الإمبراطور ومن دونهم، وفي ممارسة