يكد يبدأ. فطب الأسنان مثلاً لا يفصل عن الطب أو الجراحة، وكان الحلاقون الصحيون يخلعون الأسنان ويستبدلون بها أسناناً من العاج. وترك جميع الأطباء تقريباً-وفيساليوس أحد القلائل الذين شذوا-مهمة الجراحة للحلاقين الصحيين، الذين يجب على أي حال ألا ننظر إليهم على أنهم حلاقون، لأن كثيراً منهم كانوا رجالاً ذوي دربة ومهارة.
فأمبرواز باريه بدأ حياته صبياً لحلاق، ثم ارتقى حتى أصبح جراحاً للملوك. وقد ولد في بورج-إرسان في مين (١٥١٧)، ثم شق طريقه إلى باريس، وفتح كشك حلاقته في ميدان سان ميشيل. وخلال حرب ١٥٤٦ اشتغل جراحاً لفرقة من فرق الجيش. وكان في علاجه بالجنود يسلم بالنظرية السائدة التي زعمت أن جروح الرصاص سامة، ودرج (كما درج فيساليوس) على كيها بزيت البلسان المغلي، فكان الكي يحيل الألم عذاباً. وذات ليلة فرغ الزيت، فضمد باريه الجروح بمرهم من مح البيض، وزيت الورد، والتربنتينا. وفي الغد كتب يقول:
" أرقني بالأمس طول التفكير في المصابين الذين لم أستطع كي جروحهم. وتوقعت أن أجدهم جميعاً أمواتاً في الصباح. وبهذه الفكرة قمت مبكراً لأتفقدهم، فما راعني إلا أن أجد من عالجتهم بالمرهم لا يشكون غير ألم بسيط جداً في جروحهم دون أي التهاب … وقد قضوا ليلتهم في نوم مريح. أما الباقون الذين عولجت جروحهم بزيت البلسان المغلي فقد ارتفعت حرارتهم والتهبت جروحهم … وآلمتهم ألماً حاداً. وعلى ذلك صممت على ألا أعود ثانية إلى كي هؤلاء التعساء بمثل هذه الطريقة القاسية"(٧٠).
ولم يحظ باريه بتعليم يذكر، ولم ينشر كتيبه عن "طريقة