لشفاء العالم الصغير. والإنسان من حيث بدنه مركب كيميائي، والمرض تنافر، لا في "الأمزجة" كما زعم جالينوس، بل في مكونات البدن الكيميائية؛ وهذه أول نظرية حديثة للأيض أو التمثيل الغذائي. وكان العلاج في ذلك العهد يعتمد في عقاقيره إلى حد كبير على عالم النبات والحيوان، أما باراسيلسوس، الغارق في كيميائه القديمة، فقد أكد ما للمواد غير العضوية من قدرات علاجية. وجعل الزئبق، والرصاص، والكبريت، والحديد، والزرنيخ، وكبريتات النحاس، وكبريتات البوتاسيوم، أجزاء من أقرباذينه، وأشاع استعمال الصبغات والخلاصات الكيميائية، وكان أول من صنع "صبغة الأفيون" التي نسميها اللودنوم. وقد شجع استعمال الحمامات المعدنية، وشرح خواصها وآثارها المتنوعة.
ولاحظ بارسيلسوس العوامل المهنية والجغرافية المؤثرة في المرض، ودرس السل الرئوي المتليف في المعدنين، وكان من أول من ربط بين القماءة والغوطر المتوطن. وأدخل تحسينات على فهم الصرع، وعزا الشلل واضطرابات النطق إلى إصابات الرأس. ومع أن الفكرة المسلم بها عموماً في ذلك العصر عن النقرس والتهاب المفاصل هي أنهما رفيقان للشيخوخة لا شفاء منهما، فإن بارسيلسوس رأى أنهما قابلان للشفاء إذ شخصا على نتيجة لأحماض تكونها بقايا الطعام التي استغرقت طويلاً في القولون. قال "كل الأمراض يمكن ردها إلى تخثر المادة غير المهضومة في الأمعاء"(٧٩). وقد أطلق على هذه الأحماض الناشئة عن التعفن المعوي اسم "الطرطير" لأن رواسبها في المفاصل، والعضلات، والكلى، والمثانة "تحرق كالجحيم، وطرطروس