للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الأجيال التالية وهي لا تزال تحمل نسمة الحياة، وأصوات سقراط وتلاميذه لا تزال تجلجل بقوة النقاش ونشوة الجدل حول أشد المسائل إثارة في العالم! يا لها من راحة يستمتع بها المرء بعد صفحات أرسطو المملة، بعد الإسهاب في حديث "توسط الطريق"، "والوسط غير الأمثل"! بالطبع كنا- وكان راموس- غير منصفين لأرسطو، إذ نقارن مذكرات محاضراته المحكمة بمحاورات أستاذه الميسرة، ولا يستطيع تقدير الفيلسوف المقدوني سوى الراسخين في العلم. فلقد كان أرسطو الذي عرفه راموس هو أولاً منطق "الأورجانون"، أرسطو المدارس، الذي لا يكاد يثبت لمحنة الترجمة إلى لاتينية الكلاميين، ومحنة التحويل السحري إلى أكوينية تقليدية مسيحية طيبة. ويقول راموس إنه أنفق ثلاث سنين في دراسة منطق أرسطو دون أن يبصره أحد بفائدة واحدة أو تطبيق واحد له في العلم أو الحياة (١٠٣).

وأنها لمفخرة لكلية باريس، ولعلم راموس وحذقه وشجاعته، أن يمنح درجة الأستاذية التي تقدم لنيلها، ولعل الأساتذة أيضاً كانوا قد سئموا المنطق والاعتدال. ولكن بعضهم صدموا وأحسوا أن بضاعتهم لحقها ضرر من نقاش ذلك اليوم. وبدأت عداوات لم تفتأ تلاحق راموس حتى مماته.

وخولت له درجة الأستاذية الاشتغال بالتدريس، فبدأ لفوره في الجامعة سلسلة من المحاضرات مزج فيها الفلسفة بأدب اليونان والرومان. وكثر تلاميذه، وتضاعف كسبه، واستطاع أن يرد لأمه الأرملة ما بذلته من مدخراتها لتدفع رسوم تخرجه. وبعد سبعة أعوام من التحضير أصدر سنة ١٥٤٣ (وهي نفس "سنة العجائب" التي صدرت فيها كتب كوبرنيق وفيساليوس)، كتابين واصلا حملته لإسقاط منطق أرسطو. وكان أحدهما، وهو: Aristotelicae animadversiones" هجوماً مباشراً صاغه أحياناً