خائرة القوى. ونقلها أبوها من الدير وأرسلها لتعيش مع أخت لها غير شقيقة في الريف. وفي طريقها أعطاها أحد أعمامها كتاباً من تأليف القديس جيروم. وقد وصفت الرسائل الحية التي احتواها الكتاب أهوال الجحيم، وصورت مغازلات الجنسين كأنها الطريق المزدحم المفضي إلى الهلاك الأبدي. وقرأت تريزا الرسائل بشغف. وبعد نوبة شديدة أخرى طلقت كل فكرة في السعادة الدنيوية، وعزمت على الوفاء بنذر طفولتها. فعادت إلى آبلة ودخل دير التجسد الكرملي (١٥٣٤).
وسعدت حيناً وسط روتين الدير المهدئ، روتين القداديس، والصلوات والاعترافات المطهرة، ولما تناولت القربان شعرت بالخبز كأنه المسيح حقاً على لسانها وفي دمها. ولكن نظام الدير الرخو أقلقها. فالراهبات لا يسكن القلالي بل الحجرات المريحة، ويأكلن الطعام الفاخر برغم الأصوام الأسبوعية، ويتزين بالقلائد والأساور والخواتم، ويستقبلن الزوار في قاعة الاستقبال، ويتمتعن بالإجازات الطويلة خارج أسوار الدير. وأحست تريزا أن هذه الظروف لا توفر لها الحماية الكافية من مغريات الجسد وأحلامه. ولعل هذه المغريات والأحلام، بالإضافة إلى سخطها المتزايد، جعلت نوباتها أكثر حدوثاً وأشد ألماً. وهنا أرسلها أبوها ثانيةً إلى أختها، وأعطاها عمها ثانيةً كتاباً دينياً اسمه "الأبجدية الثالثة" لفرانسسكو دي أوزونا. وكان أبجدية في الصلاة الصوفية، الصلاة دون كلام، لأن "الذين يدنون من الله في صمت هم وحدهم الذين يمكن أن يسمعهم ويعطيهم جواباً" على حد قول المؤلف (٨١). وفي عزلتها الريفية مارست تريزا هذه الصلاة الصامتة المتأملة التي لاءمت كل الملائمة ما أحدثته بها النوبات من حالة شبيهة بالوجد.
وحاول طبيب يعالج بالأعشاب أن يداويها، ولكن مستحضراته كادت تقتلها. ولما عادت إلى صومعتها في آبة (١٥٣٧) كانت مشرفة