وأبحر من برشلونة في فبراير ١٥٢٣. وفي طريقه تخلف أسبوعين في روما، ثم لاذ بالفرار قبل أن تثنيه روحها الوثنية عن طريق القداسة. وفي ١٤ يوليو استقل سفينة من البندقية إلى يافا. وأصابته خطوب كثيرة قبل أن يبلغ فلسطين، ولكن رؤاه المتصلة شدت من أزره. وكانت أورشليم نفسها إحدى المحن، فالترك الذين يسيطرون عليها يسمحون للزوار المسيحيين بدخولها، ولكنهم يمنعون التبشير فيها، وحين اقترح إينيجو تحويل المسلمين إلى المسيحية برغم هذا الحظر، أصدر الرئيس الفرنسسكاني المحلي، الذي وكل إليه البابا حفظ السلام هناك، أمراً للقديس بالعودة إلى أوربا. وفي مارس ١٥٢٤ عاد إلى برشلونة.
ولعله أحس الآن أنه وإن كان سيداً على جسده فإنه عبد لأوهامه. فصمم على تهذيب عقله بالتعليم. واشترك مع تلاميذ المدارس في تعلم اللاتينية مع أنه كان في الثالثة والثلاثين. ولكن شهوة التعليم كانت فيه أقوى من إرادة التعلم. وسرعان ما بدا إجناتيوس-وهو اسمه المدرسي-في تبشير لفيف من النساء التقيات الفاتنات. وندد به عشاقهن مفسداً لمتعتهم وضربوه ضرباً وحشياً. فانتقل إلى القلعة (١٥٢٦)، وعكف على دراسة الفلسفة واللاهوت وهنا أيضاً راح يعلم جماعة خاصة صغيرة جلها من فقيرات النساء، فيهن نفر من البغايا المتعطشات إلى الخلاص. وحاول أن ينتزع منهن ميولهن الخاطئة بالرياضة الروحية، ولكن بعض تلميذاته أصابتهن نوبات أو غشيات، فاستدعته محكمة التفتيش للمثول أمامها. وأودع السجن شهرين (٣١)، ولكنه في النهاية أقنع المفتشين بسلامة عقيدته، فأفرج عنه، غير أنه منع من التعليم. ومضى إلى سلمنقه (١٥١٧)، وجاز تجربة مماثلة انتقل فيها من مرحلة التعليم إلى المحاكمة أمام محكمة التفتيش، إلى السجن، إلى الإفراج ثم إلى الكف عن التعليم. فلما خاب ظنه في أسبانيا، يمم شطر باريس، دائماً سيراً على الأقدام في رداء الحاج، سائقاً أمامه الآن حماراً يحمل أسفاراً.