للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خمسة أقدام وبوصتين أن يقع من نفوس ناظريه أي موقع لولا رهافة أرستقراطية في قسمات وجهه، وتدبب في أنفه وذقنه، ولولا ما في عينيه من سواد ونفاذ وعمق واكتئاب، وما في طلعته من رزانة وعزم؛ وكان قد غدا القديس المستغرق في تأملاته، العازف عن الفكاهة. لم يكن مضطهداً لخصوم الدين، ومع أنه وافق على وجود محكمة التفتيش (٣٥) فقد كان ضحيتها أكثر منه عميلها. كان صارماً في عطف، بخدم المرضى عن طيب خاطر في المستشفيات وإبان تفشي الطاعون، حلمه أن يربح نفوساً بالإيمان لا بالنار أو السيف بل بالسيطرة على الخلق في الشباب الطيع وتشكيله تشكيلاً ثابتاً في الإيمان. ولم يكن هذا المؤسس لأنجح نظم التربية في التاريخ شديد التأكيد على العلم أو الذكاء. لم يكن لاهوتياً، ولم يشترك في مجلدات الكلاميين أو تدقيقاتهم؛ وقد أثر الإدراك الحسي المباشر على الفهم العقلي. ولم يرى ضرورة للجدل حول وجود الله، ومريم والقديسين، فقد كان مقتنعاً بأنه رآهم، وأحس بهم أقرب إليه من أي شيء أو شخص في محيطه، وكان على طريقته رجلاً ثملاً بمعرفة الله ومحبته. ومع ذلك فإن تجاربه الصوفية لم تجعل منه رجلاً غير عملي. لقد كان في وسعه أن يجمع بين مرونة الوسائل وصلابة الغايات، يأبى تبرير أي وسيلة لغاية يراها حسنة، ولكن في مقدوره أن يتريث حيناً للفرصة. ويعتدل في آماله ومطالبه، ويلائم بين أساليبه والأشخاص والأحوال، ويستعمل الدبلوماسية إذا اقتضى الأمر استعمالها، ويرى الرأي الثاقب في الرجال، ويحسن اختيار مساعديه وعماله، ويسوس الرجال كأنه قائد يقود فرقة عسكرية-وهو ما كان يراه في نفسه فعلاً. وقد أطلق على فرقته الصغيرة اسماً حربياً "فرقة يسوع"، ولا عجب، فهم جند تطوعوا مدى الحياة لمحاربة الإلحاد وانحلال الكنيسة. أما هم فقد قبلوا النظام العسكري للعمل المنسق تحت قيادة مطلقة، باعتبار هذا القبول أمراً طبيعياً وضرورياً.