إسداء النصح لهم إذا اقتضى الأمر. ونص على الاعتدال في الطعام والشراب؛ دون صوم متشدد، ويجب أن يحفظ الجسم والعقل جميعاً صالحين لأداء جميع الأعمال. وللعضو أن يحتفظ يحقه في أي أملاك يمتلكها حين دخوله الطريقة، ولكن كل دخل يأتيه منها يجب أن يعطي للجماعة، التي تأمل أن تكون الوريثة النهائية. وكل المقتنيات والأنشطة الجزويتية يجب أن تكرس لمجد أعظم، مجد الله.
لقد ندر أن حملت مؤسسة ما بصمات شخصية واحدة على هذا النحو القاطع. وامتد أجل لويولا سنين أتاحت له تنقيح دساتيره ليصوغ منها نظام رهبنة يعمل بنجاح. وراح من حجرته العارية الصغيرة يقود بسلطان صارم وحذق عظيم حركات جيشه الصغير في كل أرجاء أوربا وفي كثير من أنحاء العالم الأخرى. وكانت مهمة حكم الجماعة، وإنشاء وإدارة كليتين وعدة مؤسسات خيرية في روما، أثقل من أن يحتملها طبعه كلما تقدم به العمر، فأصبح غاية في الجفاء مع أقرب مرءوسيه، وإن ظل عطوفاً على الضعفاء (٤٢). على أنه كان أقسى ما يكون على نفسه. وكثيراً ما كانت وجباته حفنة من البندق وكسرة من الخبز وكأساً من الماء. وكثيراً ما كانت ساعات نومه لا تزيد على أربعة في اليوم، بل اختزل إلى نصف ساعة في اليوم في تلك الفترة التي يخصصها للرؤى والاستنارة السماوية (٤٣). ولما مات (١٥٥٦) شعر الكثير من أهل روما أن ريحاً حادة توقفت عن الهبوب، ولعل بعض أتباعه امتزجت مشاعر الحزن عندهم بإحساس الراحة. ولم يستطع الناس أن يدركوا بهذه السرعة أن هذا الأسباني الذي لا يقهر سيثبت أنه من أعظم الرجال تأثيراً في التاريخ الحديث.
كانت الجماعة تضم عند موته قرابة ألف عضو، منهم نحو خمسة وثلاثين عضواً "منذوراً"(٤٤). وبعد خلافات أظهرت قدراً كبيراً من إرادة القوة لدى هؤلاء اليسوعيين الذين خالهم الناس محطمي الإرادة، اختير