المطروق. وردت الدراسات الإنسانية من الوثنية إلى المسيحية. على أن هذا النظام كانت فيه مآخذ خطيرة، فهو مفرط في الاعتماد على الذاكرة، مثبط للأصالة، ناقص في العلوم كغيره من مناهج ذلك العهد، وقد نقّى التاريخ تحقيقاً للهيمنة على الحاضر. وع ذلك فإننا نجد مفكراً ذا نزعة استقلالية قوية مثل فرانسس بيكن يبادر إلى القول في مدارس اليسوعيين، "وودت لو كانت هذه المدارس مدارسنا ولو بوضعها الراهن"(٥٥). وسنرى في القرنين التاليين أن خريجيها سيبرزون في كل مناحي الحياة تقريباً عدا البحث العلمي.
وقبيل وفاة لويولا كان هناك مائة كلية يسوعية. وبفضل التعليم والدبلوماسية والتفاني في العمل، وبفضل الحماسة التي يضبطها النظام، وبفضل التنسيق بين الأهداف والتوزيع البارع في الوسائل، أفلح الجزويت في صد المد البروتستنتي، واستردوا للكنيسة جانباً كبيراً من ألمانيا، ومعظم المجر وبوهيميا، وكل بولندا المسيحية. وندر أن حققت جماعة بمثل هذا الحجم الصغير، مثل هذا النجاح الكبير، بمثل هذه السرعة الفائقة. ومضت سمعتها ونفوذها ينموان العام بعد العام، إلى أن اعترف بعد عشرين عاماً من تأسيسها الرسمي بأنها أروع نتاج للإصلاح الكاثوليكي. ويوم اجترأت الكنيسة في نهاية المطاف على دعوة ذلك المجمع العام الذي طال ارتقاب أوربا له ليهدئ صراعها اللاهوتي ويبرئ جراحها الدينية، كانت حفنة من الجزويت- بثقافتهم، وولاتهم، وحصافتهم، وسعة حيلتهم، وبلاغتهم- هي التي ناط بها البابوات مهمة الدفاع عن سلطتهم المتحداه، والمحافظة على الإيمان القديم كاملاً غير منقوص.