الملوك. وشاركوا في شئون الدنيا بنشاط ولكن بحكمة ولباقة، وقد نصحهم إجناتيوس بأن قسطاً أكبر من الحكمة وأقل من التقوى خير من قدر أكبر من التقوى وأقل من الحكمة (٥١). وكانوا عادة رجالاً على خلق عظيم، أما الأخطاء التي رموا بها في فترة لاحقة فلم تكد تظهر في العصر الذي نحن بصدده (٥٢). ومع أنهم وافقوا جماعة على محكمة التفتيش (٥٣)، فإنهم وقفوا على مبعدة منها، مؤثرين أداء رسالتهم عن طريق التعليم. وقد اضطرتهم قلة عددهم إلى ترك تعليم الأطفال لغيرهم، أما هم فركزوا جهودهم على التعليم الثانوي، وإذ وجدوا أن الجامعات قد سبقتهم في الهيمنة عليها طرق دينية أخرى أو السلطة الزمنية أو رجال الدين البروتستنت، فقد نظموا كلهم كليات خاصة، وحاولوا تدريب شبان مثقفين ليكونوا مراكز للتأثير في الجيل التالي. وهكذا أصبحوا أعظم المربين في زمانهم.
لقد أنشئوا في نقط هامة في أوربا معاهد دنيا-تقابل الجمنازيوم الألماني والليسيه الفرنسية-وكليات عليا. واستطاعوا أحياناً أن يتسلموا جامعات موجودة فعلاً كما حدث في كواميرا ولوفان. وروعوا منافسيهم بتعليمهم التلاميذ مجاناً. وأكبر الظن أن منهج الدراسة الذي وضعوه يدين بالفضل للمدارس التي أنشأها في هولندا وألمانيا "إخوان الحياة المشتركة"، ولجمنازيوم شتورم في ستراسبورج، ولأكاديميات ألمانيا وإيطاليا الإنسانية. وكان هذا المنهج يقوم على الآداب القديمة ويدرس باللاتينية، أما استعمال اللغة القومية فمحظور على الطلبة إلا في العطلات (٥٤)، وأعيدت دراسة الفلسفة الكلامية في الفرق العليا. وزيد الاهتمام بتربية الخلق-أي الفضائل والعادات-وربط من جديد بين هذه التربية وبين العقيدة الدينية، وغرس الإيمان التقليدي في التلاميذ، فأشربهم نظام من الصلاة، والتأمل، والاعتراف، والتناول، والقداس، واللاهوت، سلامة في العقيدة قل معها من انحرف منهم في القرن السادس عشر عن هذا السبيل