البروتستنتي قد وصلت إلى البابوية، فقلدوها رجلاً كان روح حركة الإصلاح في الكنيسة وصوتها، وهو الناسك جوفاني بييترو كارفا، الذي سمى نفسه بولس الرابع (١٥٥٥ - ٥٩). وكان وقد بلغ التاسعة والسبعين ثابتاً على آرائه لا يحيد عنها قيد أنملة، مكرساً نفسه لتنفيذها برسوخ في الإرادة وحدة في العاطفة لا يكادان يناسبان رجلاً في سنه. كتب السفير الفلورنسي يقول:"إن البابا رجل قد من حديد، بل إن الأحجار التي يمشي فوقها تنفث الشرر"(١٤). كان مولده في بينيفنتو، لذلك حمل حرارة جنوبي إيطاليا في دمه، وبدت النار دائمة التوقد في مقلتيه الغائرتين. وكان في طبعه فورة البركان، ولم يجرؤ على معارضته سوى السفير الأسباني تدعمه فرق الدوق ألفاً. وقد كره بولس الرابع أسبانيا لأنها سيطرت على إيطاليا، وكما حلم يوليوس الثاني وليو العاشر بطرد الفرنسيين، كذلك كان أول أهداف هذا الثمانيني النشيط تحرير إيطاليا والبابوية من السيادة الأسبانية-الإمبراطورية. فاتهم شارل الخامس بأنه ملحد مقنّع (١٥)، وابن مجنون لأم مجنونة، وشخص "كسيح جسداً وروحاً"(١٦)، ودمغ الشعب الأسباني بأنه حثالة من الساميين (١٧)، وأقسم أنه لن يعترف بفيليب والياً على ميلان. وفي ديسمبر ١٥٥٥ عقد معاهدة مع هنري الثاني ملك فرنسا وإيركولي الثاني أمير فرارة لطرد جميع القوات الأسبانية أو الإمبراطورية من إيطاليا، فإذا تم للحلفاء النصر أخذت البابوية سيينا، والفرنسيون ميلان، وحكموا نابلي بوصفها ولاية بابوية، ووجب عزل شارل وفرديناند لقبولهما شروط البروتستنت في أوجزبورج (١٨).
وبمهزلة من هذه المهازل التي يمكننا رؤيتها، ونحن على بعد كاف، في مآسي التاريخ، وجد فيليب الثاني نفسه في حرب مع البابوية وهو أشد أنصار الكنيسة غيرة وتحمساً، فأمر الدوق ألفاً على مضض بأن يزحف بجيش نابولي على الولايات البابوية. ولم تمض أسابيع حتى هزم الدوق