ولكن إذا كان الإيمان حيوياً إلى هذا الحد. فهل كان أيضاً كافياً في ذاته لاستحقاق الخلاص كما زعم لوثر؟ لقد ارتفعت في الدورة الخامسة (يونيو ١٥٤٦) مناقشات عنيفة حول هذه النقطة، وأمسك أحد الأساقفة بلحية آخر وانتزع منها حفنة من الشعر الأبيض، ولما سمع الإمبراطور بما وقع أرسل إلى المجمع يقول إنه لم يهدأ فسيأمر بإلقاء نفر من الأساقفة في نهر أديج ليهدئ ثائرتهم (٤٠). ودافع ريجنالد بولي عن رأي قريب قرباً خطراً من رأي لوثر، حتى أن الكردينال كارافا (الذي أصبح بولس الرابع فيما بعد) دمغه بالهرطقة، وانسحب بولي من المعركة قاصداً بادوا، واعتذر بالمرض عن التخلف عن حضور المجمع (٤١). ودافع الكردينال سيريباندو عن الصيغة التوفيقية التي عرضها في راتسبون الكردينال كونتاريني، وكان قد مات، ولكن لاينيز أقنع المجمع بأن يشدد على أهمية الأعمال الصالحة وحرية الإرادة، معارضاً بذلك لوثر معارضة كاملة.
أما إجراءات الإصلاح الكنسي فكانت حركتها أقل نشاطاً من تعريفات العقيدة. كان أسقف كاتدرائية القديس مرقس قد افتتح دورة ٦ يناير ١٥٤٦ برسمه صورة قاتمة للفساد الذي استشرى في العالم، والذي لن يفوقه في ظنه فساد الأجيال القادمة إطلاقاً، وقد عزا هذا الفساد "إلى شر الرعاة دون سواه". وقال إن هرطقة لوثر سببها الرئيسي خطايا الأكليروس، وإن إصلاح الأكليروس خير سبيل لقمع هذا التمرد (٤٢). ولكن الإصلاح الجوهري الوحيد الذي تحقق في هذه الدورات الأولى كان ذلك الذي حرم على الأساقفة الإقامة بعيداً عن أسقفياتهم، أو شغل أكثر من أسقفية. واقترح المجمع على البابا أن ينتقل إصلاح قسم الوثائق من التوصيات النظرية إلى الأوامر الفعلية، ولكن بولس كان يريد أن تترك شئون الإصلاح للبابوية، فلما أصر الإمبراطور على مزيد من السرعة في مناقشات الإصلاح في المجمع، أمر البابا مندوبيه بأن يقترحوا نقل