عليّ الامتثال لاختياره إياي لهذا المنصب. أني فوق ذلك سوف أخضع لمشيئته، تحدوني الرغبة في أعماق قلبي، في أن يهبني العون، بفضله وكرمه، علي تنفيذ إرادته سبحانه وتعالى في المهمة التي وكلت اليوم إلي، وما أنا، من الناحية المادية إلا بشر، ولكني بإذنه تعالى بشر سياسي عليه أن يحكم. فهل لي أيها اللوردات، وخاصة النبلاء منكم، كل على قدر مرتبته وسلطته- هل لي أن أطمع في أن تكونوا عوناً لي، حتى أستطيع أنا بحكمي وانتم بخدماتكم، أن نقدم لله سبحانه وتعالى عملاً مقبولاً، ونترك لأعقابنا على الأرض شيئاً من الرفاهية والراحة (١). "
وفي اليوم الثامن والعشرين من نوفمبر، اخترقت إليزابث، مرتدية ثوباً من القطيفة القرمزية، شوارع لندن في موكب عام، إلى نفس "برج لندن" التي كانت سجينة فيه منذ أربعة أعوام؛ تنتظر الموت. وفي طريقها، أخذ الأهالي اليوم يهللون ويهتفون لها والمنشدون يتغنون بمجدها وعظمتها، والأطفال يتلون عليها، وهم يرتعدون، ما حفظوه من عبارات الولاء والإجلال، ورحبت طلقات المدافع والبنادق التي لم يسمع لها نظير من قبل، بحكم قدر له أن يكون أزهى وأحفل بالرجال والعقول من أي حكم سبقه في إنجلترا.
وكانت خمس وعشرون سنة من المحاكمات قد هيأت إليزابث لتسيطر وتتفوق. وفي ١٥٣٣ بدا أن من حسن طالعها أن يكون هنري الثامن أباً لها، ولكن كان خطراً عليها أن تكون أمها آن بولين. إن العار الذي لحق بأمها ثم إعدامها، وقعاً في وقت لم تكن الطفلة فيه تعي أو تذكر شيئاً (١٥٣٦)، ولكن مرارة هذا التراث الكريه لازمتها وما إنجابت عنها طيلة شبابها، ولم تبرأ منها إلا بفضل بلسم الملك. ونص قرار أصدره البرلمان في ١٥٣٦ على أن زواج آن باطل، ومن ثم صارت إليزابث ابنة غير شرعية، ولاكت اللسنة موضوع أبوة البنت، واختلفت الأقوال فيه بشكل قاس، وكانت في نظر معظم الإنجليز، على أية حال، ابنة زنى. ولم تعد الشرعية إليها قط بحكم القانون، ولكن قراراً آخر من البرلمان (١٥٤٤) ثبت حقها في تولي العرش، بعد إدوارد أخيها من أبيها، وماري أختها لأبيها. وفي أثناء حكم إدوارد (١٥٤٧ - ١٥٥٣) تمسكت إليزابث بالبروتستانتية ولكن عندما اعتلت