البروتستانتية، توجت اليزبيث في كنيسة وستمنستر "ملكة على إنجلترا وفرنسا وأيرلندة، وحامية للعقيدة". ذلك أن ملوك إنجلترا منذ عهد إدوارد الثامن طالبوا، بانتظام، بحقهم في عرش فرنسا، إنهم لم يقصروا في شيء يثقل كاهل الملكة بالمتاعب.
إن إليزابث الآن في سن الخامسة والعشرين، وفيها كل الفتنة التي تقترن بنضج الأنوثة. وكانت متوسطة الطول، حسنة المظهر، مليحة القسمات، ذات بشرة تميل إلى السمرة، وعينين وضاءتين، وشعر أسمر يضرب إلى الحمرة، ويدين جميلتين عرفت كيف تظهرهما للعيان (٣). ويدا ضرباً من المستحيل أن تتمكن مثل هذه الفتاة من أن تواجه بنجاح الفوضى التي تحيط بها، فقد مزقت المذاهب الدينية المتصارعة أوصال البلاد، جرياً وراء السلطة، مستخدمة السلاح، وكان الفقر المدقع داء متوطناً، وكان التشرد قد بقى على حاله بعد العقوبات الرهيبة التي فرضها عليه هنري الثامن. وعوقت العملة الزائفة سير التجارة الداخلية، وانتشرت هذه العملة الزائفة لمدة نصف قرن، وكان لهذا أثره في هبوط رصيد الخزانة، ومما جعل الحكومة تدفع ١٤% فائدة على القروض، واستغرقت العقيدة الدينية كل تفكير ماري تيودور. إلى حد أنها لم تول شئون الدفاع الوطني أية عناية، وقبضت يديها عنه، فأهملت الحصون وبقيت الشواطئ دون حماية، ولم تعد البحري صالحة، وساءت رواتب الجيش وطعامه، وشغرت الوظائف فيه. وباتت إنجلترا-التي كانت أيام ولزي وتحتفظ بميزان القوى في أوربا- باتت الآن كسيحاً سياسياً مشلولاً تتقاذفه كل من أسبانيا وفرنسا. ودخل الجيوش الفرنسية إلى إسكتلندة، وكانت أيرلندة توجه الدعوة إلى أسبانيا. وكان الحرمان من الكنيسة-حرماناً مطلقاً أو جزئياً- سيفاً مصلتاً على رأس الملكة يهددها به البابا، كما كان يهددها بغزو الدول الكاثوليكية لبلادها. وبدا الغزو وشيكاً قطعاً في ١٥٥٩. وكان الخوف من القتل يساورها دوماً، ولم ينقذها إلا دبيب الشقاق بين أعدائها، وحكمة مستشاريها، وشجاعة روحها. ولقد صعق السفير الأسباني "بروح المرأة ..... أن بين جنبيها شيطاناً يتملكها، ويقودها حيث يريد (٤) ". ولم تكن أوربا تحسب أنها ستجد روح إمبراطور وراء ابتسامات فتاة.