أن نحدس بوجود ذلك الواقع الخارجي، فيستحيل علينا أبداً أن نصف خصائصه الموضوعية كما تقع في ذاتها؛ ذلك لأن أسلوبنا في الإدراك سيظل إلى الأبد ممتزجاً بالشيء المدرك امتزاجاً لا سبيل إلى عزل الواحد عن الآخر.
وليس هذا بالذاتية الجوفاء، التي يقول بها من يريد أن يغلق على طويته دون أن يجد سبيلاً لاتصاله بالعالم الخارجي، والذي يظن أنه مستطيع أن يحطم العالم تحطيماً إذا تركه واسترسل في النعاس؛ إن العالم موجود، لكنه "مايا" وليس معنى الكلمة أنه وهم بل هو ظواهر، هو مظهر اشترك عقل الإنسان في تكوينه؛ وعجزنا عن إدراك الأشياء إلا في صورها التي تعرض علينا وهي في الزمان والمكان، ثم عجزنا عن التفكير فيها إلا على أساس السببية والتغير، إن هو إلا قصور فطري في طبائعنا، هو "أفيديا" أو جهل مرتبط ارتباطاً شديداً بطريقة إدراكنا نفسها، وعلى ذلك فهو جهل كتب على الجسد أن يصاب به؛ إن "مايا" و "أفيديا" هما الجانبان الذاتي والموضوعي للوهم الأعظم الذي يحمل العقل على الظن بأنه يعرف حقيقة العالم؛ إننا نرى كثرة في الأشياء وتياراً من التغير، بسبب "مايا وأفيديا" أعني بسبب ما ورثناه منذ الولادة من جهل محتوم؛ وحقيقة الأمر هي أن ثمة كائناً واحداً، وما التغيير إلا "مجرد اسم" نطلقه على تغير صور الأشياء في سطوحها الظاهرة؛ ووراء "المايا" أي النقاب الذي يحجب عنا الحقيقة، والذي قوامه تغير الأشياء، تستطيع أن تنفذ إلى الحقيقة الكلية الواحدة، براهما، لا بطريق الحواس ولا بقوة العقل، بل بالبصيرة النافذة والإدراك الفطري المباشر من روح مرنت على ذلك الضرب من الإدراك.
هذا القصور الطبيعي للحس والعقل، الذي تسببه لهما أعضاء الحس وصور التفكير العقلي، يحول كذلك بيننا وبين إدراك الروح الواحد الصمد الذي يكمن وراء الأرواح والعقول الجزئية الفردية، فنفوسنا المنعزل بعضها عن بعض، والتي نراها بالإدراك الحسي والتفكير العقلي، لا تقل بطلاناً عن خيالات الزمان والمكان؛ إن الفروق بين الأفراد، والتمييز بين الشخصيات