أو في ترك ليدي كاترين جراي تذبل وتهن حتى الموت في "برج لندن". ولكنها كانت أساساً عطوفة رحيمة، وخلطت بين رقتها وضربتها. وكثيراً ما ثارت وفقدت صوابها، ولكن سرعان ما استعادت ضبط النفس والسيطرة على الأعصاب. وكانت تنفجر ضاحكة إذا تسلت، وكثيراً ما حدث ذلك. واولعت بالرقص فرقصت على قدم واحدة حتى بلغت التاسعة والستين وكانت تثب وتغامر وتصطاد. كما أحبت المسرحيات والحفلات التنكرية، واحتفظت بروح معنوية عالية حتى حين هبطت مواردها.
وكانت غاية في الشجاعة والذكاء عند مواجهة الخطر. وكانت معتدلة في طعامها وشربها، شرهة في المال والمجوهرات، وكانت تجد لذة كبيرة في مصادرة ممتلكات العصاة الأثرياء، ودبرت أن تحصل على مجوهرات التاج في إسكتلندة وبرجندي والبرتغال وتقتنيها، بالإضافة إلى ذخيرة من الجواهر والأحجار الكريمة أهداها إليها اللوردات المرتقبون نفعاً أو المرشحون للمناصب، لوم تشتهر بعرفان الجميل ولا بسخاء، وحاولت بعض الأحيان أن تدفع أجور العاملين لديها كلمات حلوة بدلاً من النقود، وقد كان ثمة شيء من حب الوطن في تقتيرها وكبريائها على السواء. وعندما تولت العرش، لم تكد توجد أمة بلغت من الفقر حداً تنظر معه إلى إنجلترا بعين الإجلال والتقدير، أما عند مماتها كانت لإنجلترا السيادة على البحار. كما كانت تتحدى سيطرة إيطاليا وفرنسا في مجال الفكر والعقل.
وأي نوع من العقل كان لهذه المرأة؟ لقد حصلت من التعليم على القدر الذي يمكن أن تحصل عليه ملكة دون عناء، وقد استمرت أثناء حكمها في دراسة اللغات. وتبادلت الرسائل بالفرنسية مع ماري ستيوارت، وتحدثت بالإيطالية مع أحد سفراء البندقية، ووبخت مبعوثاً بولنديا بلغة لاتينية قوية. وترجمت سالوست Sallust وبوثيوس Boethius، وألمت بقدر من اليونانية يكفي لقراءة سوفوكليس ولترجمة إحدى مسرحيات يوريبيدس. وزعمت أنها قرأت من الكتب عدد ما قرأ أي أمير في العالم المسيحي، والأرجح أن يكون الأمر كذلك. ودرست التاريخ كل يوم تقريباً، ونظمت الشعر وألفت الموسيقى، وعزفت، مع شيء من التسامح، على العود والعذراوية (آلة موسيقية تشبه البيان الصغير بدون قوائم)، ولكن كان