عندها من الإدراك ما تسخر به من منجزاتها، وتميز به بين التعليم والذكاء. وإذا ما أطرى سفير معرفتها باللغات ردت عليه قائلة:"ليس غريباً أن تعلم امرأة أن تتكلم، بل الأصعب منه كثيراً أن تعلمها كيف تكف عن الكلام (٣٤). " وكان ذهنها حاداً قدر حدة كلامها وكان ذكاؤها يجاري الزمن ولا يتخلف عنه. وقال فرنسيس بيكون:"إنه كان من عادتها أن تقول عن توجيهاتها لكبار موظفيها إنها مثل الثياب، تكون محكمة محبوكة لأول مرة يلبسها الإنسان، ولكنها تصبح يوماً بعد يوم فضفاضة (٣٥) " وكانت رسائلها وخطبها بلغة إنجليزية من إنشائها وحدها: معقدة ملتوية متكلفة، ولكنها زاخرة بالصيغ الغريبة، ساحرة في فصاحتها وأسلوبها.
وتحلت إليزابث بالذكاء أكثر منها بسداد الرأي. قال عنها ولسنهام:"أنها غير صالحة لمعالجة أي موضوع له وزنه (٣٦) ". ولكنه ربما تحدث في مرارة التفاني الذي لم يلق جزاءه. لقد كمنت براعتها في الرقة الأنثوية ودقة الإدراك الحسي، لا في المنطق المرهف. وفي بعض الأحيان كشفت نتيجة هذا كله عن حكمة أكبر في تصرفاتها الماكرة منها في تعليلها لها، أنها روحها التي يتعذر تحديدها أو تعريفها هي التي يعتد بها، وهي التي حيرت أوربا وسحرت إنجلترا، وأمدت بلادها بالقوة والقدرة على الازدهار والنمو. وأعادت إليزابث بناء الإصلاح الديني من جديد، ولكنها مثلت عصر النهضة-التلهف على أن يحيا الإنسان هذه الحياة الدنيا إلى أبعد مدى، ينعم بها ويزينها كل يوم. ولم تكن نموذجاً للفضيلة، ولكن كانت مثالاً للحيوية والنشاط. إن سير جون هايوارد الذي كانت زجت به في السجن لتزويده اسكس الأصغر ببعض الأفكار الثورية، غفر لها ذلك فكتب عناه، بعد تسع سنوات من مكافأتها إياه (بالإفراج عنه) -كتب يقول: -
إذا كان ثمة إنسان أوتي من الموهبة أو الأسلوب ما يستطيع أن يكسب به قلوب الناس، فهو هذه الملكة. وإذا أظهرت شيئاً مثل هذا يوماً، فقد ظهر في أنها تجمع بين اللطف والجلال كما كانت تفعل، وفي تواضعها الموسوم بالفخامة حتى مع أقل الناس شأناً. وكانت كل قدراتها في حركة دائبة، وبدت وكأن كل حركة بمثابة