ويجدر بنا ألا نحكم على هذا التشريع على أساس التسامح الديني النسبي الذي أكسبنا إياه الفلاسفة والثورات في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فان المعتقدات آنذاك كانت تحارب بعضها بعضاً، وكانت متشابكة بالسياسة، وفي هذا المجال كان التسامح محدوداً. فقد اتفقت كل الأحزاب والحكومات في القرن السادس عشر على أن الانشقاق الديني كان شكلاً من التمرد السياسي. وأصبح الصراع الديني- عندما أصدر البابا بيوس الخامس- بعد إحساسه بأنه تأخر تأخيراً طويلاً مملاً- مرسوماً (١٥٧٠)، لم يحرم إليزابث من الكنيسة فحسب، بل أحل رعاياها من الولاء لها كذلك، وحرم عليهم الامتثال لتنبيهاتها وأوامرها وقوانينها". ومنع انتشار المرسوم في أسبانيا وفرنسا اللتين كانتا تخطيان ود إنجلترا آنذاك، ولكن نسخة منه وضعت بطريقة سرية على باب مقر الأسقف البروتستانتي في لندن وسرعان ما كشف المجرم وأعدم، وعندما ووجه وزراء الملكة بهذا الإعلان للحرب، طلبوا إلى البرلمان سن قوانين أشد صرامة ضد الكاثوليك، وصدرت تشريعات تنص على أنه يعتبر من الجرائم التي يعاقب مرتكبوها بالإعدام: قذف الملكة بأنها هرطقية أو منشقة أو مغتصبة، أو طاغية، أو إدخال مرسوم بابوي إلى إنجلترا، أو تحويل بروتستانتي إلى الكنيسة الرومانية (٦٢). وفوضت المحكمة العليا في اختبار آراء أي فرد مشتبه فيه، وأن تعاقبه على أية مخالفة لأي قانون، لم يعاقب عليها من قبل، بما في ذلك الفسق أو الزنى (٦٣).
ولم يجد ملوك أوربا الكاثوليك لديهم من الجرأة ما يحتجون به على هذه الإجراءات الظالمة التي شابهت إجراءاتهم إلى حد كبير، واستمر معظم كاثوليك إنجلترا على الخضوع في سلام، وأملت حكومة إليزابث في أن تؤدي العادة إلى القبول والرضا، ثم الإيمان في الوقت المناسب، ولكن حال دون هذا أن وليم ألن Allen المهاجر الإنجليزي أسس في دوي Douai ( مدينة في شمال فرنسا) ثم في الأراضي الوطيئة الأسبانية، كلية ومعهداً لتدريب المبعوثين الإنجليز الكاثوليك لإرسالهم إلى إنجلترا. وأفصح عن غرضه في حماسة قائلاً:
إن دراستنا في المقام الأول … تقوم على أن نثير في عقول الكاثوليك الحماسة