للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و "براهما"، أي الروح والله، وامتصاص الجزء في الكل (١٢٠)؛ ويستحيل أن تقف دورة حلول الروح في أجساد جديدة إلا إذا تم هذا الامتصاص عندئذ سيتبين أن الروح الجزئية والشخصية المفردة، التي تصيبها عودة التجسد، وَهْمٌ ليس له وجود (١٢١) وأن الذي يعيد الولادة للنفس على صعيد العقاب أو الثواب هو "إشفارا" أي إله "مايا"؛ ويقول شانكارا "إنه إذا ما عرفت وحدة أتمان وبراهما، اختفت على الفور الروح الجزئية واختفى براهما باعتباره خالقاً (أي باعتباره إشفارا" (١٢٢) وتنتمي "إشفارا" و "كارما"- كما تنتمي الأشياء والأنفس- إلى مذهب فيدانتا المعروف، في صورته المحورة تحويراً يناسب حاجات الرجل من عامة الناس؛ أما الجانب الخفي السري من المذهب، فيعتبر الروح وبراهما شيئاً واحداً، لا يتجزأ ولا يموت ولا يتغير (١٢٣). وإنها لحكمة من شانكارا أن يحصر الجانب الخفي من مذهبه في الفلاسفة وحدهم؛ لأنه- كما رأى فولتير- كما أنه لا يمكن لمجتمع أن يعيش بغير قانون إلا مجتمع من فلاسفة، فكذلك لا يستطيع أن يعيش فوق الخير والشر إلا مجتمع من الإنسان الأعلى؛ ولقد توجه الناقدون بنقد، هو أنه إذا كان الخير والشر جانبين من "مايا" أي من العالم الزائف إذن فلا يعود للفوارق الخلقية وجود، وتصبح الشياطين والقديسون في منزلة واحدة؛ وهاهنا يجيب شانكارا في ذكاء، بأن هذه الفوارق الخلقية حقيقية داخل عالم الزمان والمكان، وهي ملزمة لهؤلاء الذين يعيشون في هذه الدنيا، وليس فيها إلزام على الروح التي دمجت نفسها في براهما؛ فمثل هذه الروح لا تقترف الإثم، لأن الإثم يتضمن الشهوة وتحقيقها بالعمل، والروح التي تحررت- بحكم تعريفها- لا تتحرك في دنيا الشهوات والعمل (الذي يحقق لها شهواتها)، إن ما يُنْزل الأذى بغيره عامداً، يعيش في مستوى "مايا"، ويخضع لما فيها من فوارق ومن أخلاق وقوانين، فلا حرّ إلا الفيلسوف، ولا حرية إلا الحكمة (١).


(١) لسنا ندري كم يكون إلحاح بارمنيدس في أن "الكثرة" زائفة وأنه لا وجود إلا "للواحد" مديناًً لليوبانشاد، أو كم يكون رأيه ذاك ذا فضل على مذهب شانكارا؛ كما أننا لا نستطيع أن نؤكد وجود علاقة سببية أو إيجابية بين شانكارا وبين فلسفة عمانوئيل كانت التي تشبهها شبها يثير العجب.