للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دريك وحده بالسفينة "بليكان" على الساحل الغربي للأمريكيتين إلى سان فرنسيسكو مهاجماً كل السفن الأسبانية في طريقه، ثم انعطف غرباً في جرأة وبسالة، إلى الفلبين وأبحر من جزر ملقا إلى جاوه، وعبر المحيط الهندي إلى أفريقية، وحول رأس الرجاء الصالح صعداً في المحيط الأطلسي، ليصل بليموث في ١٦ سبتمبر ١٥٨٠، أي بعد مغادرتها بأربعة وثلاثين شهراً. ومعه من الأرباح ٦٠٠. ٠٠٠ جنيه سلم الملكة منها ٢٧٥. ٠٠٠ (١٠٠)، وحيته إنجلترا على أنه أعظم ملاح وقرصان في عصره وتناولت إليزابث العشاء على ظهر سفينته، ومنحته لقب فارس.

ومن الجهة الفنية، كانت إنجلترا طوال هذا الوقت في سلام مع أسبانيا. وكم قدم فيليب إلى الملكة من احتجاجات، فقدمت هي الاعتذارات، وتشبثت بغنائمها، وأشارت إلى أن الملك نفسه كان هو أيضاً يخرق "القانون" الدولي بإرساله المساعدات إلى الثوار في إيرلندة. ولما هدد السفير الأسباني بالحرب، هددت هي بالزواج من ألنسون وبالتحالف مع فرنسا. ولما كان فيليب مشغولاً بغزو البرتغال، فقد أصدر أمره إلى سفيره بالإبقاء على السلام. وكما هي العادة، انضم حسن حظ الملكة إلى عبقريتها الموسومة بالتردد، فماذا كان عساه يحدث لها لو لم تشطر الحرب الأهلية فرنسا الكاثوليكية إلى شطرين، ولو لم يرهق الأتراك بغاراتهم المتكررة الإمبراطور والنمسا الكاثوليكية، ولو لم تكن أسبانيا متورطة مع البرتغال وفرنسا والبابا ورعاياها الثائرين في الأراضي الوطيئة؟

ولعدة سنوات كانت إليزابث تناور وتداور في مكر وخداع في الأراضي الوطيئة، وتغير سياستها وفق الظروف المائعة. ولم تكن أية اتهامات بالتردد أو الخيانة تجعلها تسبر في طريق مستقيم واحد لا تحيد عنه. ولم تكن تحب الكلفنية في الأراضي الوطيئة أكثر من حبها للبيوريتانية في إنجلترا، كما لم تكن تحب التحريض على الثورة أكثر من حب فيليب له. وأدركت أهمية التجارة المنتظمة مع الأراضي الوطيئة للاقتصاد الإنجليزي، فعملت على تأمين الثورة ومساعدتها هناك بشكل يحفظها من الاستسلام لأسبانيا أو الارتماء في أحضان فرنسا، وما دامت الثورة قائمة، انشغلت أسبانيا بها بعيداً عن إنجلترا.