الأرمادا على الرغم من أن سمكها يبلغ ثلاثة أقدام، وقتل آلاف من الأسبان. وشوهدت الدماء تسيل من ظهور السفن إلى البحر. وما أن غربت شمس ذاك النهار حتى كان قد فقد من الأسبان ربعة آلاف رجل وجرح أربعة آلاف آخرون، وأمكن بصعوبة الاحتفاظ بالسفن الأسبانية الباقية عائمة على سطح الماء. ولما رأى مدينا سيدونيا أن بحارته لا يستطيعون احتمال شيء بعد ما حدث، أصدر أوامره بالانسحاب. وفي اليوم الثلاثين من يوليه حملت الريح حطام الأرمادا إلى بحر الشمال. وتبعه الإنجليز شمالاً إلى مصب نهر فورت، وكانت تعوزه الأغذية والذخيرة فعادوا إلى مراسيهم، وكانوا قد فقدوا ستين رجلاً، ولم يفقدوا سفينة واحدة.
أما بالنسبة لبقايا الأرمادا، فلم يكن ملاذ أقرب من أسبانيا نفسها. فقد كانت إسكتلندة معادية، وثغور إيرلندة في أيدي القوات الإنجليزية. واستماتت السفن المصابة والرجال الذين يتضورون جوعاً في شق طريقهم حول الجزر البريطانية، وكانت المياه هائجة والريح عاصفة، فتحطمت الصواري وتمزقت الأشرعة، وما كان يمر يوم حتى يغرق مركب أو يغادره ملاحوه، وألقيت جثث ألوف في البحر، وتحطمت سبع عشرة سفينة على شواطئ إيرلندة الوعرة. وفي سليجو Sligo وحدها ظهر على شاطئها الرملي جثث ١١٠٠ من الغرقى الأسبان. ونزل بعض البحارة إلى البر في إيرلندة يتلمسون بعض الطعام والشراب، فلم يصيبوا شيئاً، وبلغ مئات منهم من الهزل حداً لم يستطيعوا معه القتال، فكان مصيرهم الذبح بأيدي أشباه المتوحشين من سكان السواحل من كل جنس. ومن المائة والثلاثين سفينة التي كانت قد غادرت أسبانيا أول الأمر، عاد ٥٤ فقط، ومن السبعة والعشرين ألفاً من الرجال عاد عشرة آلاف معظمهم جريح أو مريض. ولما كان فيليب يحاط علماً بأنباء الكارثة الطويلة الأمد يوماً بيوم، فقد حبس نفسه في صومعة في الاسكوريال، ولم يكن أحد على التحدث إليه. أما البابا سكستس الخامس فقد دفع بأنه ما دام لم يحدث غزو على إنجلترا قط، فإنه لن يرسل إلى أسبانيا المفلسة بدوكات واحد.