على العكس من ذلك، فإن السفن الإنجليزية الخفيفة المبنية خصيصاً للمياه الضحلة والمسالك الضيقة، انطلقت مسرعة حول البوراج الأسبانية الثقيلة، تمطرها بوابل من النيران من كل جانب، وكانت سطوح المراكب الأسبانية عالية، وكانت مدافعها تطلق قذائفها على بعد مرتفع فوق السفن الإنجليزية محدثة بها أقل الأضرار، وجرت السفن الإنجليزية تحت النيران، وتركت قدرتها على المناورة وسرعتها، الأسبان عاجزين حيارى مضطربين. وعندما جن الليل هرب الأسبان في اتجاه الريح، تاركين إحدى سفنهم ليأخذها دريك، وأخرى نسفها أحد رجال المدفعية الألمان المتمردين، ووقع حطامها في أيدي الإنجليز. ولحسن الحظ كانت كلتاهما تحمل مؤناً وذخائر سرعان ما نقلت في أسطول الملكة. وجاء مزيد من المؤن والذخائر. ولكن الإنجليز لم يكن لديهم منها حتى الآن إلا ما يكفي لقتال يوم واحد فقط. وفي الخامس والعشرين، وبالقرب من جزيرة وايت، قاد هوارد هجوماً، وسارت سفينة قيادته إلى قلب الأرمادا، وتبادلت النار مع كل بارجة مرت بها، وحطم تفوق النار الإنجليزية الروح المعنوية لدى الأسبان. وكتب مدينا سيدونيا في تلك الليلة إلى دوق بارما:"أن العدو يطاردني. إنهم يرمونني بالنيران من الصباح إلى المساء، ولكن السفن لن تلقي مراسيها … وليس ثمة من علاج، فهم سريعو الحركة ونحن بطيئون (١٠٥) ". وتوسل إلى بارما أن يرسل إليه ذخيرة ومدداً، ولكن ثغور دوق بارما كانت تحاصرها وتعترض سبيلها السفن الهولندية.
وفي اليوم السابع والعشرين ألقى الأرمادا مراسيه في مداخل كاليه. وفي الثامن والعشرين أشعل دريك النار في ثمان سفن صغيرة غير ضرورية يمكن الاستغناء عنها، ووضعها في مهب الريح لتسير وسط الأسطول الأسباني. وتوجس مدينا سيدونيا شراً، فأمر سفنه بالخروج إلى عرض البحر. وفي التاسع والعشرين هاجمها دريك في جرافلين، بعيداً عن الشاطئ الفرنسي، في حرب حقيقية. وقاتل الأسبان في بسالة، ولكن كان يعوزهم المدفعية والبراعة في فن الملاحة. وظهر أسطول هوارد وصب الأسطول الإنجليزي بكامل عدده من النيران على الأرمادا ما أعجز بعض سفنه عن العمل وأغرق بعضها الآخر. واخترقت طلقات الإنجليز أبدان سفن