في إيطاليا، وأحمد الله إني لم أمكث فيها إلا تسعة أيام فقط. ومع ذلك رأيت في هذا الوقت القصير، في مدينة واحدة، من الإباحية والمجون والإثم مالا أكاد أذكره عن مدينتنا الفاضلة لندن في تسع سنوات (٢١).
ولم يكن معلم إليزابث هو الوحيد الذي ضرب على هذه النغمة. فقد كتب ستيفن جسون Gosson في كتابه "مدرسة الفساد"(١٥٧٩)"لقد سلبنا إيطاليا دعارتها، انك إذا قارنت بين لندن وروما، وبين إنجلترا وإيطاليا لوجدت أن مسارح الواحدة منها فاسدة والأخرى منتشرة انتشاراً واسعاً بيننا". ونصح سيسل ابنه ألا يسمح لأولاده أن يعبروا جبال الألب. "لأنهم لن يتعلموا هناك شيئاً سوى الغرور وعدم احترام المقدسات والإلحاد (٢٢) ". وفي كتابه "تشريح المفاسد"، وصم فيليب ستبز Stubbs- وهو بيوريتاني- الإنجليز في عصر إليزابث- بأنهم أشرار مترفون مزهوون، يفاخرون بخطاياهم. ونعى الأسقف جول Jewel في موعظة ألقاها أمام الملكة- نعى على الناس في لندن أنهم في سلوكهم وأخلاقهم "يهزؤون بكتاب الله المقدس، الإنجيل، ومن ثم يصبحون أكثر فسقاً وأكثر شهوانية وحباً للدنيا وأكثر دعارة، مما كانوا عليه في أي وقت مضى … وإذا كانت حياتنا تشهد بعقيدتنا وتنم عن ديننا، فإنها تنادي بأعلى صوت ..... ليس هناك إله (٢٣)(١).
إن مثار الضجة والنعي على الأخلاق يرجع في كثير منه إلى أساتذة الأخلاق
(١) يروي أوبري قصة تؤيد أسكام، يقول "كان والتر رالي مدعواً إلى العشاء مع شخصية كبيرة. وكان ابنه يجلس إلى جواره، محتشماً غاية الاحتشام، على الأقل طيلة نصف فترة العشاء. ثم قال: هذا الصباح، ولم تكن خشية الله ماثلة أمام عيني، قصدت إلى واحدة من بنات الهوى كنت شديد الهيام بها، وأردت أن استمتع بها. ولكنها دفعتني عنها وأقسمت ألا أقربها، وخاصة إن أباك كان يضاجعني منذ ساعة فقط. فما كان من والتر، وقد فوجئ مفاجأة مذهلة، وخاصة في مثل هذه المأدبة العظيمة، إلا أن لطم لطمة شديدة على وجهه. ولكن الابن، رغم فظاظته وغلظته؛ لم يضرب أباه، بل لطم الرجل الذي كان يجلس إلى جواره، وقال: لكمة هنا وهناك ستصيب أبي حالاً .. " (موجز سير الحياة Brief Lives- ص٢٥٦).