كلامه المنمق الطنان ورذائله وقساوته، يجاهد ليكون سيداً مهذباً. وتأرجح مثله العلي بين صفات الكياسة والمجاملة واللطف المحببة إلى النفوس والتي ذكرها كاستليوني في كتابه "رجل البلاط" وبين ما جاء به ميكيافللي في كتابه "الأمير" من لا أخلاقيات لا تعرف الرحمة إليها سبيلاً. لقد أعجبت بسدني، ولكنه تاق إلى أن يكون مثل دريك.
وشقت الفلسفة طريقها في شرخ العقيدة الدينية المتهاوية. وكانت أحسن العقول في ذاك الزمان هي أشدها ارتباكاً وحيرة. وكانت هناك نفوس محافظة سليمة العقيدة، ونفوس وديعة مجبولة على الجبن، وفي وسط هذا التدفق الذي لا يتوقف كان ثمة رجال أفاضل مثل روجر أسكام. ولكن تلاميذه كانوا في لجة المغامرة. وإليك ما يقوله جبراييل هارفي عن كمبردج:
تعلموا الإنجيل، ولم يعوه أو يحفظوه، والمبدأ المسيحي فاتر ضعيف، وليس ثمة شيء حسن إلا بنسبته إلى شخص ما. وباختصار ألغى قانون الطقوس الرسمي، وأبطل قانون القضاء تماماً من الوجهة العملية، وتخلى الناس عن القانون الأخلاقي، وألح الجميع في طلب الجديد، من الكتب والأزياء والقوانين، وألح بعضهم في طلب سماوات جديدة، وجهنم جديدة أيضاً، وفي كل يوم تظهر آراء جديدة مشكلة حديثاً، في الهرطقة واللاهوت والفلسفة والإنسانية والسلوك .. ولم يكن الشيطان مكروهاً قدر كراهية الناس للبابا (٦٠).
وكان كوبرنيكوس قد قلب العالم، وأطلق الأرض مندفعة هائمة في الفضاء، وجاء جيوردانو برونو إلى أكسفورد ١٥٨٣ وتحدث عن الفلك الحديث وعن العوالم اللانهائية، وعن الشمس التي تفنى بفعل حرارتها، وعن الكواكب السيارة التي تتلاشى في ضباب ذري. وأحس شعراء مثل جون، أن الأرض تنساب من تحت أقدامهم.
وفي ١٥٩٥ شرع فلوريو في نشر ترجمته لمونتاني. ولم يكن ثمة شيء يقيني بعد ذلك. وامتلأ الناس بالشك، وكما أن مارلو هو مكيافللي، فان شكسبير هو