مونتاني. وعلى حين شك الرجال العقلاء، كان الشبان الصغار يخططون. وإذا بدا أن السماء ضاعت في سحابة فلسفية، فيمكن الشباب أن يعقدوا العزم على امتصاص الحياة الجافة، ويختبروا كل الحقيقة مهما تكن مميتة، وكل الجمال مهما يكن سريع الزوال، وكل القوة مهما تكن سامة، وهكذا رأى مارلو في فاوست وتامبورلين.
إن انتزاع الأفكار القديمة، وتحرير العقل ليعبران تعبيراً جباراً عن الآمال والأحلام الجديدة، وهما اللذان خلدا عهد إليزابث في إنجلترا. وماذا كان يهمنا من أمر منافستها السياسية، ونزعتها الدينية وانتصاراتها الحربية، إذا انحصر أدب عصرها في تلك الأشياء العابرة، ولم يعبر عن تطلعات النفوس المفكرة في كل عصر. وحيرتها ونياتها. إن كل تأثيرات هذا العصر المثير انتهت إلى نشوة إنجلترا على أيام إليزابث. فان رحلات الغزو والكشف التي وسعت الكرة الرضية والسوق والعقل، وثراء الطبقة المتوسطة الذي وسع مجال المشروعات وأهدافها، والكشف عن الآداب والفنون الوثنية، وجيشان الإصلاح الديني، ونبذ النفوذ البابوي في إنجلترا. والحوار اللاهوتي، تلك التي ساقت الناس عن غير عمد، من العقيدة إلى العقل، والتعليم. والإقبال المتزايد على الكتب والمسرحيات، والسلم الطويل المفيد، ومن ثم التحدي المثير والنصر الباهر على أسبانيا، والتصعيد العظيم في الثقة في قوة الإنسان وفكره، تلك هي كانت الحوافز التي استحقت صعود إنجلترا في مراقي العظمة والمجد، وتلك هي الأصول التي نبت منها شكسبير، وبعد انقضاء نحو قرنين من الزمان منذ عهد تشوسر، اندفعت إنجلترا في لجة من النثر والشعر والدراما والفلسفة، وتحدثت جهراً في شجاعة إلى العالم بأسره.