وكانت حياة الناشرين أنفسهم قلقة مضطربة، خاضعة لقوانين الدولة وهوى الجهور أو نزواته. وكان منهم في إنجلترا أيام إليزابث ٢٥٠، حيث كان النشر وبيع الكتب حرفة واحدة. وقام معظمهم بعملية الطباعة لأنفسهم، لأن الفصل بين الطباعة والنشر بدأ حوالي نهاية عصر إليزابث. واتحد الناشرون والطابعون وباعة الكتب ١٥٥٧ في "شركة القرطاسية"، وأنشأ تسجيل المطبوعات في هذه النقابة "حق الطبع"، على أن هذا لم يحم المؤلف بل الناشر فقط. وطبيعي أن هذه الشركة لم تسجل من الكتب إلا ما حصل على ترخيص قانوني بطبعه. فقد كان يعتبر جريمة كتابة أو طبع أو بيع أو اقتناء أية مادة تسيء إلى سمعة الملكة أو الحكومة، كذلك نشر أو استيراد كتب الإلحاد أو المراسيم والرسائل البابوية، أو اقتناء أية كتب تؤيد سيادة البابا على الكنيسة الإنجليزية (٣). وكان ثمة جملة معاذير لخرق هذه المراسيم. وفوضت "شركة القرطاسية" هذه في تفتيش كل دور الطباعة وإحراق أية مطبوعة غير مرخص بها، وسجن ناشريها (٤). وكانت الرقابة على المطبوعات في عهد إليزابث أقسى منها في أي وقت قبل الإصلاح الديني. ولكن الأدب ازدهر، كما شحذت العقول في فرنسا في القرن الثامن عشر، بفضل مخاطر الطباعة.
وكان العلماء قليلين، وكان عصر خلق وإبداع أكثر من أن يكون عصر نقد، وكان تيار الحركة الإنسانية (توكيد على قيمة الإنسان وقدرته على تحقيق الذات عن طريق العقل) قد جف في تلك السنين التي حفلت بالاهتمام باللاهوت. وظل معظم المؤرخين من كتاب الحوليات، يقسمون مدوناتهم حسب السنين. ولكن ريتشارد نولز Knolles أدهش برجلي ببراعته النسبية في كتاب "التاريخ العام للأتراك" ١٦٠٣. وأضفت "حوليات" رافائيل هولنشد على صاحبها مزيداً من الشهرة لم يبذل فيه جهداً، ذلك أن هذه الحوليات أمدت شكسبير بسير ملوك إنجلترا. واصطبغت "حوليات إنجلترا"(١٥٨٠) لجون ستو Stow " بظلال من الحكمة، ودعوات إلى الفضيلة وتنفير من الحقائق المرذولة (٥) "، ولكن طابعها العلمي يرثى له، وأسلوبها قوي مؤثر. وكان كتابه "استعراض لندن" ١٥٨٠ أدق بحثاً وأوسع علماً، ولكنه لم يدر عليه ربحاً، وكان حرياً به في سني شيخوخته أن يمنح رخصة