ولا يعرف على وجه التحديد من أين أصاب ليلي هذا المرض، من ماريني الإيطالي، أو من جيفارا الأسباني أو من "بلاغة" الفلاندرز، فهذا محل مناقشة، ورحب ليلي على أية حال بهذه السموم العقلية ونقلها إلى كثير من رجال إليزابث فأفسدت كوميديات (ملهاوات) شكسبير الأولى، وتركت مسحة منها على أعمال بيكون، وأثرت في اللغة.
لقد كان العصر يعنى باللفظ. وبذل جبرائيل هارفي-من أساتذة كمبردج-كل نفوذه ليحول الشعر الإنجليزي من النبرات والقوافي إلى الأوزان القديمة المبنية على التفاعيل أو المقاطع. وبتحريض منه أسس سدني وسبنسر في لندن نادياً أدبياً الآريوباجوس Areopagus، كافح لبعض الوقت ليحول النشاط والطاقة الحيوية في عصر إليزابث إلى أشكال فرجيل وصيغه. وقلد توماس ناش، هازئاً، أوزان هارفي السداسية التفاعيل "التي تشبه في وقعها الوثب على قدم واحدة"، وسخر منها واعتبرها غير جديرة بالنظر والاهتمام فعلاً. ولما جمع هارفي بين الشتائم والسباب والحذلقة في التنديد بأخلاقيات جرين صديق ناش، أصبح الهدف الرئيسي لحرب الكتيبات التي جلبت إلى إنجلترا كل ما عرف في عصر النهضة من تراشق وذم وقدح.
إن حياة روبرت جرين لتمثل ألفا من سير الحياة الأدبية البوهيمية التي لا تقيم وزناً للأعراف والقيم، ابتداء من فيللون Villon ( شاعر فرنسي غنائي في القرن الخامس عشر) إلى فرلين Verlaine ( شاعر رمزي فرنسي في القرن التاسع عشر، وكان رفيق دراسة لهارفي ومارلو في كمبردج)، وسط "أوغاد لا يقلون عنه دعارة وفجوراً"، "أفنى معهم زهرة شبابه":
كان يملؤني الزهو والتيه والغرور. كانت الدعارة رياضتي اليومية، وإدمان الشراب ملذتي الوحيدة … وكنت أبعد ما يكون عن أن أرجع إلى الله، وقليلاً ما كنت أذكره. ولكني كنت أجد لذة كبيرة في الحلف والتجديف على الله. وإذا حققت رغبتي وأنا على قيد الحياة، فإني راض قانع، فلآخذ طريقي إلى الموت