بأية حال، إني لم أخش قضاة المحكمة أكثر مما أخشى حساب الله (١١).
وجال جرين في إيطاليا وأسبانيا، ويقص علينا أنه هناك "رأى ومارس من أعمال الخسة والجرائم ما يندى الجبين لذكره. " فلما عاد أصبح شخصية بارزة في حانات لندن، بشعره الأحمر ولحيته المحددة وجواربه الحريرية وبطانته الخاصة. وتزوج وكتب كتابة رقيقة عن الإخلاص في الزواج ونعمته. ثم هجر زوجته من أجل سيدة أنفق عليها كل ثروة الزوجة. ومن معرفته الخاصة المباشرة وصف أقانين حياة الرذيلة والإجرام في كتاب A Notable Discovery Of Cozenape، (١٥٩١) كشف فيه الغطاء عن الدجالين والمحتالين، وحذر فيه زوار لندن القرويين من أحابيل المخادعين والغشاشين في ورق اللعب، والنشالين والقوادين والعاهرات. مما حدا بهؤلاء أن يحاولوا قتله. وإنه لما يبعث على الدهشة أن جرين، مع انغماسه في حياة الرذيلة إلى هذا الحد، وجد وقتاً ليكتب في سرعة صحفية ونشاط وحيوية، اثنتا عشرة قصة (بأسلوب يوفيس) وخمسة وثلاثين كتيباً، وكثيراً من الروايات الناجحة. وعندما فتر نشاطه وقل دخله وجد للفضيلة بعض المعنى، وندم ندماً شديداً قدر ما كان يأثم إثماً فاحشاً، وعبر عن ندمه وإثمه أبلغ تعبير. ونشر في ١٥٩١ كتابه "وداعاً أيتها الحماقة". وفي ١٥٩٢ نشر كتيبين لهما بعض الأهمية، أحدهما:"ملحوظة ساخرة لرجل البلاط الناشئ " حمل فيه على جبراييل هارفي، أما الثاني "ما يساوي بضعة بنسات من ذكاء جرين يشترى بمليون من التوبة والندم". وفيه هاجم شكسبير وأهاب برفاقه في الفسق والفجور- وواضح أنه يقصد مارلو وبيل وناش-أن يقلعوا عن الآثام والخطايا وينصرفوا معه إلى التقوى والندم. وفي ٢ سبتمبر ١٥٩٢ أرسل إلى زوجته التي هجرها يتوسل إليها أن تدفع عشرة جنيهات إلى صانع أحذية لولا صدقته وإحسانه "لكنت مت جوعاً في الطرقات" وفي اليوم التالي، وفي دار صانع الأحذية هذا، مات جرين- كما يقول هارفي- بسبب "تخمة أصابته من الإفراط في أكل سمك الرنجه المخلل وشرب نبيذ الراين". وتجاوزت صاحبة الفندق عن ديونه من أجل أشعاره، وتوجته بإكليل من الغار، ودفعت نفقات جنازته (١٣).