للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكن عامة الناس في الوقت نفسه كانوا - في شمال الهند حول القرن الخامس قبل الميلاد - قد حوروا السنسكريتية إلى براكريتية، وما أشبه ذلك بإيطاليا حين غيرت اللاتينية إلى الإيطالية فأصبحت اللغة البراكريتية حيناً من الدهر لغة البوذية والجانتية، ولبثت كذلك حتى تطورت بدورها إلى الباليّة - وهي اللغة التي كتب بها أقدم ما هبط إلينا من الأدب البوذي (٢)؛ فلما أن كان ختام القرن العاشر من تاريخنا المسيحي، كان قد تولد عن هذه اللغات التي شهدتها "الهند الوسيطة" لهجات مختلفة كان أهمها اللغة "الهندية" ثم ولّدت هذه بدورها في القرن الثاني عشر اللغة الهندستانية التي باتت لغة النصف الشمالي من الهند؛ وأخيراً جاء الغزاة المسلمون وملئوا الهندستانية بألفاظ فارسية فكوّنوا بذلك لهجة جديدة هي الأردية؛ وهذه كلها لغات "هندية جرمانية" انحصرت في الهندستان؛ أما الدكن فقد احتفظت بلغتها الدرافيدية القديمة وهي: لغات "تامِلْ" و "تلوجو" و "كاناريس" و "وملايالام" وأصبحت لغة "تامِل" من بينها هي الأداة الأدبية الرئيسية في الجنوب؛ ولما كان القرن التاسع عشر حلّت الباليّة محل السنسكريتية لغة أدبية في البنغال، وكان الكاتب القصصي ("شاترجي" لهذه اللغة بمثابة "بوكاتشو" للإيطالية الحديثة) كما كان لها الشاعر طاغور بمثابة "بترارك"؛ وإنك لترى مائة لغة في الهند حتى في يومنا هذا على أن أدب الحركة الاستقلالية يستخدم لغة الفاتحين أداة للتعبير.

ولقد أخذت الهند منذ تاريخ عريق في القدم تتعقب جذور الألفاظ وتاريخها وعلاقاتها وتركيبها، ولم يظللها القرن الرابع قبل الميلاد حتى كانت قد اصطنعت لنفسها (١) علم النحو، وأنجبت من يجوز أن يكون أعظم النحاة جميعاً ممن نعرف وهو بانيني؛ وكانت دراسات بانيني، وباتايخالي (حوالي ١٥٠ م) وبهارْتريهاري (حوالي ٦٥٠ م) هي الأسس التي قام عليها علم اللغات؛


(١) ولقد حدث للبابليين مثل هذا، راجع الجزء الخاص ببابل من هذه السلسلة.