إن هذه الرواية (إدوارد الثاني) - بهذا البنيان المحكم، وبالشعر المفعم بالحساسية والخيال والقوة، وبهذه الشخصيات التي رسمت في وضوح وتماسك، وبهذا الملك الممزوج من اللواط والزهو، ومع ذلك يمكن الصفح عنه في بساطة صباه وجماله الغض- نقول إن هذه الرواية بكل ما ذكرنا، كانت قيد خطوة من رواية شكسبير "ريتشارد الثاني" التي أعقبها بسنة واحدة.
وماذا كان عساه ينجر هذا الكتاب المسرحي الذي بلغ من العمر سبعاً وعشرين سنة، إذا اكتمل نموه. في مثل تلك السن كان شكسبير يكتب توافه مثل: Two Gentlemen Of Verona, Acomedy Of Errors Love's Labour's Lost وفي "يهودي مالطة" كان مارلو يعرف كيف يجعل كل منظر يدفع أمامه مكيدة مرتبة، وفي "إدوارد الثاني" تعلم كيف يعرف الشخصية الواحدة على أنها أكثر من صفة واحدة مجسدة، وربما تيسر له في عام أو عامين تطهير رواياته من الكلام المنمق الطنان والأحداث المثيرة، ولربما سما إلى فلسفة أرحب أفقاً، وإلى تعاطف أعظم مع أساطير بني الإنسان ونقاط الضعف فيهم. وربما كانت نقيصته المعيبة هي الحاجة إلى الفكاهة، فليس ثمة ضحك لطيف في رواياته، فاللهو العارض-كما هو الحال في روايات شكسبير، لا يؤدي مهمته الصحيحة في المأساة- ألا وهي تهدئة روح المستمع قبل الارتفاع به إلى ذروة المأساة. وكان يستطيع أن يقدر الجمال الحسي أو المادي في النساء، ولا يقدر ضعفهن وقلقهن وكياستهن. وليس في رواياته شخصية نسوية قوية نشيطة، حتى في الروايتين اللتين لم يكملهما "ديدو" و"ملكة قرطاجة".
ولم يبق أمامنا إلا الشعر. وأحياناً تغلب الخطيب على الشاعر، فصاح الخطيب "بخطبة عظيمة مدوية (٦١). ولكن كم من مشهد كان الشعر المشرق ينساب فيه بصور حية وألفاظ متناغمة إلى حد أن الإنسان قد يخطئ بعض السطور فيظنها من فيض خيال شكسبير. وأثبت الشعر المرسل عند مارلو أنه الأداة الصحيحة للمسرحية الإنجليزية، وقد يكون أحياناً مملاً على وتيرة واحدة، ولكنه عادة متنوع من أوزانه، محقق لاتصال وترابط يبدوان طبيعيين.