على كل صحيفة- وأية أغان رحبت بها ملايين الشفاه:"نحت الشجرة الخضراء هب؛ هب يا نسيم الشتاء، ""فهناك كان عشيق وفتاته". إن التدفق أو الإنتاج بأسره كان حماقة وعاطفة لذيذتين محببتين، لا يمكن مباراته في أي أدب.
ولكن وسط هذه الوفرة من الحلوى يضع مسيو ميلانكولي جاك شيئاً من الفاكهة المرة، معلناً أن "مسرح الحياة الواسع العالمي يعرض مهرجانات وأبهة فارغة أفجع أو أشد حزناً مما يقدم المشهد الذي نمثله" على خشبة المسرح، وليس ثمة شيء محقق يقيني إلا الموت، ولكنه عادة يأتي بعد مرحلة من الشيخوخة لا طعم لها، يفقد المرء فيها أسنانه وبصره:
وهكذا من ساعة إلى ساعة ننمو وننضج، وبعد ذلك، من ساعة إلى ساعة نذبل ونذوي، حتى نصبح حديثاً بعدنا (١٤).
وهكذا أنذرنا شاعر آفون أن رواية "على هواك" كانت آخر روائع المرح والبهجة، ومن بعدها، حتى إشعار آخر، عرض أن يسبر غور الحياة ليظهرنا على حقيقتها الدامية، وهو الآن يريد أن يفيض علينا من معين "الروايات المأسوية"، ويجمع بين المرارة وطيب المذاق.
في ١٥٧٩ عرض كتاب توماس نورث عن بلوتارك ذخيرة نفيسة من المسرحيات، أخذ منها شكسبير ثلاثاً من "سير الحياة" وصاغها في مسرحية "يوليوس قيصر"(١٥٩٩؟). ووجد أن ترجمة نورث مفعمة بالحيوية إلى حد أنه أخذ منها عدة قطع بأكملها كلمة كلمة بالنص، وكل ما عمله هو أنه حول النثر إلى شعر مرسل، ومهما يكن من أمر فإن خطبة أنتوني أمام جثمان قيصر كانت من ابتداع الشاعر نفسه، جاءت تحفة رائعة في فن الخطابة والرقة والدقة، ثم الدفاع الوحيد الذي أجازه لقيصر. وربما أثر فيه إعجابه بدوق سوثمبتون وإرل بمبروك، وارل إسكس الشاب، فرأى القتل من وجهة نظر النبلاء الأرستقراطيين المتآمرين المهددين بالخطر. ومن ثم يصبح بروتس محور الرواية. ولكنا، نحن الذي حصلنا على تفاصيل مومسن عن الفساد ذي الرائحة الكريهة في "الديمقراطية" التي أطاح بها قيصر، أشد ميلاً إلى التعاطف مع قيصر، كما فوجئنا بموت بطل الرواية في مستهل الفصل الثالث.