وإن الماضي ليقف عاجزاً بين يدي الحاضر الذي كثيراً ما يعيد تشكيله ليصبح من نزوات الساعة.
وفي كتابة هملت استعان شكسبير برواية سابقة في نفس الموضوع وتحداها. وكانت هملت قد أخرجت في لندن قبله بست سنوات فقط. ولسنا ندري كم أخذ من هذه "المأساة" المفقودة، أو من كتاب بلفورست "التواريخ الفاجعة"(١٥٧٦)، أو من "تاريخ الدنمرك"(١٥١٤) للمؤرخ الدنمركي ساسكو جراماتيكوس، كما أننا لا نستطيع القول بأن شكسبير قرأ "أمراض الاكتئاب والحزن"، وهي ترجمة إنجليزية حديثة لكتاب طبي فرنسي ألفه دي لورنس. وإنا، ونحن نشك في غير انفعال أو تذمر، في كل محاولة لتحويل الروايات إلى سيرة حياة ذاتية، ليباح لنا أن نتساءل عما إذا كان شيء من الحزن الشخصي-بالإضافة إلى تأديب الليل والنهار-قد انضم إلى التشاؤم الذي شاع في هملت، واشتدت مرارته فيما أعقبها من روايات. وكان يمكن أن يكون هذا تحرراً جديداً من وهم الحب، وهل كان القبض للمرة الأولى على اسكس (٥ يونيه ١٦٠٠)، أو إخفاق ثورة اسكس، أو اعتقال اسكس وسوثمبتون، أو إعدام اسكس (٢٥ فبراير ١٦٠١)؟ ويفترض أن هذه الأحداث كلها هزت مشاعر شاعرنا المرهف الحس، الذي كان قد امتدح، في حرارة بالغة، اسكس في مقدمة الفصل الأخير من "هنري الخامس"، كما كان في إهداء "لوكريس" إلى سوثمبتون، قد عاهده على الولاء له إلى الأبد. ومهما يكن من أمر، فان أعظم روايات شكسبير كتبت أثناء هذه النكبات أو فيما بعدها. فهي أدق في حبكة الرواية، وأعمق في التفكير، وأروع في اللغة من سابقاتها، ولكنها تعبر كذلك عن أمر اللوم والعتاب للحياة في الأدب بأسره. إن إرادة هملت المذبذبة، بل "عقله الملكي الممتاز" على الأغلب قد أصابهما بالاعتدال والاضطراب اكتشاف الحقيقة واقتراب الشر، وتشبعه بفكرة الانتقام، حتى تمتلكه هو نفسه قساوة لا ترحم ولا تهدأ، فأرسل أوفليا، لا إلى دير الراهبات، بل إلى الجنون والموت. وفي النهاية تجيء مذبحة عامة، لم يفلت منها إلا هوراشيو، وقد قارب أن يصاب بلوثة.