يقول يوان شوانج أن مراصدها "كانت تنبهم معالمها في ضباب الصباح، وتعلو غرفاتها العليا على السحاب"(١٥)، وقد أحب هذا الحاج الصيني الكهل رهبان "نالاندا" العلماء وأحراشها الظليلة حباً جعله يقيم هناك خمسة أعوام؛ وهو يروي لنا أن الكثرة الغالبة من أولئك الذين أرادوا الدخول في حلقات المناقشة من النزلاء الأجانب " في نالادا " كانت تنسحب أمام ما تلاقيه من صعوبة المشكلات؛ وكان يسمح بالدخول لأولئك الذين تعمقوا العلوم القديمة والحديثة، لكن لم ينجح من كل عشرة أكثر من اثنين أو ثلاثة " (١٦).
وكان الطلاب الذين يساعدهم الحظ في الدخول يتعلمون مجاناً بما في ذلك أيضاً المسكن والغذاء، لكنهم لقاء ذلك كانوا يخضعون لنظام أوشك أن يكون كنظام الأديرة؛ ولم يكن الطالب يسمح له بالتحدث إلى امرأة، أو برؤية امرأة بل إن مجرد الرغبة في النظر إلى امرأة كان يعد عندهم خطيئة كبرى، على نحو ما جاء في العهد الجديد من قول هو أشد ما فيه من أقوال؛ وإذا اقترف طالب إثماً جنسياً، كان عليه أن يلبس جلد حمار مدة عام كامل، على أن يظل الذيل مرفوعاً إلى أعلى، وأن يجوب الآثم الطرقات، يطلب الصدقات ويعلن عن خطيئته؛ وكان الطلبة جميعاً يطالبون كل صباح بالاستحمام في أحواض السباحة العشرة الكبرى التابعة للجامعة؛ ومدة الدراسة اثنا عشر عاماً، ولو أن بعض الطلبة كان يقيم بالجامعة ثلاثين عاماً، وبعضهم يقيم بها حتى الممات (١٧).
وجاء المسلمون فهدموا الأديرة (في شمال الهند) كلها تقريباً، بوذيّها وبرهميّها على السواء، وأحرقت جامعة "نالاندا" إحراقاً أتى عليها سنة ١١٩٧ م وقتل كل رهبانها، وإنه ليستحيل علينا أبد الدهر أن نقدر ما كان في حياة الهند القديمة من خصوبة مسترشدين بما أبقى عليه هؤلاء المسلمون المتعصبون؛ ومع ذلك فلم يكن هؤلاء المخربون من الهمج، بل كان لهم ذوق في الجمال كما كان لهم براعة تشبه براعة العصر الحديث في استخدام التقوى لتحقيق ما يشاءون من