بعضها من بعض، وأفهم جيد الفهم ما هي عليه من قوة وأساليب حرب وعادات وديانات وحكومات ومصالح؛ وكان أوجب عليك أن تطلعني على صحيح التاريخ حتى أعلم نشأة تلك الدول وتقدمها وانهيارها، ومن ثم كنت أعلم كيف وبأي سبب من الأحداث والأخطاء حدثت تلك التطورات الكبرى والثورات العظمى في الإمبراطوريات والممالك؛ لقد كدت لا أعلم منك أسماء أجدادي، بناة هذه الإمبراطورية الأعلام، بَلْهَ أن تعلمني تاريخ حياتهم وما صنعوه حتى تم لهم مثل هذا الفتح العظيم؛ كنت منكباً على تعليمي اللغة العربية قراءة وكتابة؛ والحق أني شاكر لك ما سببته لي من مضيعة لوقتي في لغة تتطلب عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً لكي يجيدها الطالب، كأنما ابن الملك يرى شرفاً له أن يكون عالماً نحوياً أو متضلعاً في القانون وأن يتعلم لغات غير لغات جيرانه، مع أنه يستطيع أن يحيا بغيرها خير حياة، ذلك الذي يحرص على وقته الثمين لكثير من مهام الأمور، هذه الأمور هي التي كان ينبغي أن يتعلمها؛ ودع عنك ابن الملك، وقل لي أين تلك الروح التي تستعبد نفسها - بغير شئ من النفور، بل بغير شئ من الشعور بالمهانة - في دراسة كئيبة جافة طويلة مملة، مثل هذه الدراسة لألفاظ اللغة" (١٨).
ويقول "بيرْنيَر" المعاصر: "هكذا كان أورنجزيب يمقت التحذلق في التعليم الذي كان يصطنعه معلموه؛ وبعض الدلائل في بلاطه تدل على أنه … أضاف إلى قوله ذاك قولاً آخر (١) وهو:
"ألا تعلم أن الطفولة إذا أُحْكِمَ الإشراف عليها، وهي كما نعلم حالة مصحوبة عادة بالذاكرة الجيدة، في مستطاعها أن تتلقى آلاف المبادئ السليمة
(١) لا نستطيع الجزم من العبارة المقتبسة الآتية "بل قد لا نستطيع ذلك أيضاًً بالنسبة للعبارة السالفة" من كلام "بيرنير"، وكم منها من كلام أورنجزيب؛ وكل ما نعلمه عنها أن فيها علامات تدل على أنها نسخة وليست أصلاًً.