والتعاليم بحيث تنقش فيها نقشاً عميقاً ما بقي الإنسان حياً، وتحفز عقل الإنسان دائماً إلى جليل الأعمال؟ أليس يمكن تعلم القانون والصلاة والعلوم بلغتنا القومية كما نتعلمها بالعربية؟ لقد أنبأت أبي "شاه جهان" أنك ستعلمني الفلسفة؛ نعم إني أذكر جيداً أنك لبثت أعواماً طوالاً تسليني بمشكلات فارغة عن أشياء لا ترضي العقل في شيء على الإطلاق، وليست هي بذات نفع في المجتمع الإنساني، وهي أفكار خاوية ومجرد سبحات في الخيال، وليس فيها ما يميزها سوى أنها شديدة الصعوبة على الفهم، شديدة السهولة في النسيان … إني لا أزال أذكر أنك بعد أن أمتعتني - ولست أذكر كم طال أمد تلك المتعة - بفلسفتك الدقيقة، كان كل ما وعيته منها طائفة كبيرة من ألفاظ حوشية معقدة، تصلح لإيقاع الربكة والحيرة والملل في أحسن العقول؛ ولعلها لم توجد إلا لتستر غرور أمثالك من الرجال وجهلهم، هؤلاء الذين يحاولون إيهامنا بأنهم يعلمون كل شيء، وأن وراء هذه الألفاظ الغامضة المبهمة تختفي أسرار عظيمة لا يستطيع فهمها سواهم؛ فلو أنك أنضجتني بتلك الفلسفة التي تهيئ العقل للاستدلال المنطقي، وتعدّه شيئاً فشيئاً، الإعداد الذي يجعله لا يرضى بشيء إلا الحجج القوية؛ لو أنك زودتني بتلك المبادئ السامية والمذاهب الرفيعة التي تعلو بالروح على نكبات الزمن، وتركّزها في حالة نفسية لا يزعزعها شيء ولا يثيرها مثير، وتجنّبها الغرور بالنجاح في الحياة والانهيار أمام المحن؛ لو أنك حرصت على أن تمدني بمعرفة أنفسنا ومعرفة المبادئ الأولى للأشياء، وساعدتني على تكوين فكرة طيبة في عقلي عن عظمة الكون، وعما فيه من نظام عجيب وحركة في أجزائه؛ أقول لو أنك غرست في نفسي هذا الضرب من الفلسفة، لرأيت نفسي مديناً لك أكثر مما كان الإسكندر مديناً لأرسطو كثرة لا تدع مجالاً للمقارنة بين الحالتين، ولأيقنت أن من واجبي أن أعوضك على نحو يختلف عما جزاه هو به؛ ألم يكن واجباً عليك - بدل ريائك لي - أن تعلمني شيئاً