المعقدة، والمقتطفات الكلاسيكية، والغموض المتكلف. على أن شيئاً من هذا كله لم يحل دون أن يكون "دون" أرق شعراء العصر.
وعاصر جون دون- مثل جونسون وتشابمان- ثلاثة عهود. ففي عهد إليزابث كتب في الحب، وفي عهد جيمس عن التقوى، وفي عهد شارل عن الموت. ومنذ نشأ كاثوليكياً، وتعلم على أيدي الجزويت وفي أكسفورد وكمبردج، فقد خبر مرارة الاضطهاد وهدأة الاختفاء. واعتقل أخوه هنري لإيوائه كاهناً محكوماً عليه بالموت، وقضى هنري نحبه في السجن، وزاد من اكتئاب جون انصرافه في بعض الأحيان إلى كتابات سانت تريز ولويس دي جرانادا الروحية. ولكن في ١٥٩٢ نبذ عقله الفتي النابض بالحيوية، ما ورد في ديانته من معجزات وكرامات، وحام في العقد الثالث من عمره حول المغامرات العسكرية والجنسية وفلسفة التشكك.
ولفترة من الزمن قصر جون دون شعره على الاتصال الجنسي غير المشروع صراحة، ففي القصيدة رقم ١٧ من قصائده التأملية التي تعروها الكآبة، امتدح "أحلى شيء في الحب: التنوع (لذة الهوى في التنقل):
ما كان أسعد آباءنا في الزمان الأول
أولئك الذين لم يجدوا في تعدد العشاق جرماً (٥٥).
وفي قصيدته التأملية رقم ١٨ سبح في "الدردنيل بين ستوس وأبيدوس في صدرها" وفي القصيدة رقم ١٩ "إلى حبيبته وهي تأوي إلى مخدعها" نزع عنها ثيابها، وفي خيال واسع، طلب إليها: امحي ليدي "أن تجوسا حيث تشاءان". وخلط بين علم الحشرات والعشق، وحاول أن يبرهن على أنه ما دام أن البرغوث عضهما معاً فانه قد خلط دمه بدمها فقد تزوجا آنذاك بالدم، ومن ثم يسرحان في نشوة لا إثم فيها (٥٦). ولكنه أتخم بالمظاهر فسئمها، ووجد أنه ليس كريماً منه أن يرتكب الفاحشة مع كرائم السيدات، ونسي مفاتنهن الموقوتة، ولم يتذكر إلا الحيل التي كن قد تعلمنها من دنيا لا قلب لها، وصب على عشيقته جوليا أكبر