وأنه ليحس (مثل ثورو) أنه إذا قرأ أخبار يوم الأحد، فقد يكتفي بها ويأخذها قضية مسلمة بقية العام، مع مجرد تغيير في الأبهاء والتواريخ. وهو يرتاب في أن الإنسان سائر على طريق التقدم، ومع ذلك يقول "لسوف أصنع يوتوبيا (دنيا مثالية) خاصة بي … أتحكم فيها بمحض حريتي "ويصفها في تفصيل خيالي غريب. والواقع، على أية حال، أنه كان يؤثر تصفح الكتب في هدوء في مكتبه أو على ضفاف التاميز، على الانصراف إلى إصلاح البشر. ويقدم له كل مؤلفي العالم أحسن ما لديهم، ويثقل كاهله ما يجمع من اقتباسات، فيعود مكتئباً مغتماً من جديد، وبعد مائة وأربع عشرة صحيفة ممتلئة، يعقد العزم على التوصل إلى أسباب الكآبة، وهي الخطيئة، والشهوة الجامحة، والإفراط، والشياطين. والسحرة، والنجوم، والإمساك، والإسراف الجنسي، .... وأعراضها (أي الكآبة) ومن بينها: "ريح تقرقر في البطن .... وتجشؤات كريهة .... وأحلام مزعجة (٥٤) ". وبعد أن أكمل مائتي استطرد، تراه يصف أنواع العلاج للكآبة: الصلوات، الغذاء، الدواء، الملينات، إدرار البول، الهواء الطلق، الرياضة، الألعاب، الحفلات المسرحية، الموسيقى، الصحبة المرحة، النبيذ، النوم، فصد الدم، الاستحمام. ثم يستطرد من جديد، إلى حد أن كل صحيفة تغدو مخيبة للآمال ومفرحة معاً- إذا توقف سير الزمن.
أما في الشعر فقد اختفى شعراء "السونيت"، وظهر "شعراء ما وراء الطبيعة": ريتشارد كروشو، أبراهام كاولي، جون دون، جورج هربرت- الذين عبروا في جمال وديع، عن الهدوء والتقوى في بيت الكاهن الأنجليكاني، ولقد سماهم صمويل جونسون "ميتافيزيقيين"، من ناحية واحدة فقط، لأنهم نزعوا إلى الفلسفة واللاهوت والجدل، وأساساً لأنهم اختاروا عن ليلي، أوجونجورا، أو البلياد- أسلوباً يتميز بالبدع والنزوات اللغوية، والذكاء اللفظي والتركيبات