البنات عزلاً لا يتيح لهن أن يُغرين الرجال أو يجيهن الإغراء من الرجال؛ والآباء الأغنياء في بريطانيا الجديدة يحجزون بناتهم خلال الخمس السنوات الخطرة في أكواخ يقيمون عليها حارسات من العجائز الفضليات، فلا يسمح للبنات بالخروج أبداً ثم لا يؤذن لأحد برؤيتهن إلا الأقارب؛ وليس بين هذه التصرفات كلها، وبين "البُردة" التي تلبسها المسلمات والهندوس إلا خطوة واحدة، وإن هذه الحقيقة لتذكرنا مرة أخرى بقرب المسافة بين "المدنية" و "الهمجية".
وجاء الخَفرَ مصاحباً للبكارة ولسيطرة الوالد على أسرته؛ فهنالك قبائل إلى يومنا هذا لا يأخذها الحياء من ترك أجسادها عارية، لا بل إن بعضها ليخجله لبس الثياب؛ ولقد اهتزت جنبات أفريقيا كلها بالضحك حين التمس "لفنجستون" من مُضيفيه السود أن يضعوا على أجسادهم بعض الثياب قبل قدوم زوجته؛ وكانت "ملكة بالوندا" Balonda عارية من قمة رأسها إلى أخمص قدمها حين عقدت مجلسها من أجل "لفنجستون"، وبين القبائل أقلية صغيرة تباشر العلاقة الجنسية علنا دون أن يداخلها أثر من الخجل؛ وكان أول ظهور الحياء عند المرأة حينما أحست أنها محرَّمة أيام حيضها؛ وكذلك حين قام نظام الزواج بالشراء، وأصبحت بكارة البنت تدر الربح على أبيها، فولدَ عزل الفتاة وإرغامها على البكارة شعوراً عندها بضرورة احتفاظها بعفتها؛ أضف إلى ذلك أن الحياء عند الزوجة في ظل نظام الزواج بالشراء، هو شعورها بتبعة مالية إزاء زوجها بأن تمتنع عن أية علاقة جنسية خارجية ليس من شأنها أن تعود عليه بشيء من الربح؛ وهاهنا ظهرت الملابس، إن لم تكن الدوافع إلى التزين وإلى الوقاية قد أنشأتها بالفعل قبل؛ ذلك ففي قبائل كثيرة لا تلبس المرأة ثياباً إلا بعد زواجها علامة على حيازة زوجها لها حيازة تامة، وحائلا يحول دون سائر الرجال أن تأخذهم شهامة الرجولة؛ فالرجل البدائي لا يوافق على الرأي الذي