ذهب إليه مؤلف "جزيرة البطريق" من أن الثياب تشجع على الدعارة؛ وعلى كل حال فليست العفة متصلة بالثياب صلة ضرورية، فيحدثنا الرحالة في أفريقيا أن الأخلاق هناك تناسب في تقدمها تناسباً عكسياً مع كمية الثياب فواضح أن ما يستحي من فعله الناس إنما يعتمد على أساس التحريم الاجتماعي والتقاليد التي تسود جماعتهم، فإلى عهد قريب كانت المرأة الصينية يخجلها أن تعرى عن قدمها، والعربية يخجلها أن تكشف عن وجهها، والمرأة من قبيلة " تاورج " يخجلها أن تبدي فمها، على حين أن النساء في مصر القديمة، وفي الهند في القرن التاسع عشر، وفي "بالى" في القرن العشرين) حتى أتاهن السائحون الشهوانيون (لم يخجلهن أبداً أن يكشفن عن أثدائهن.
لكن لا ينبغي أن ننتهي من ذلك إلى نتيجة هي أن الأخلاق ليست بذات قيمة لأنها تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان، وأنه من الحكمة أن نقيم الدليل على سعة علمنا بالتاريخ بأن نطرح من فورنا التقاليد الأخلاقية في مجتمعنا، فالعلم القليل بالأجناس البشرية يُعرض للخطر؛ نعم إنه من الحق في الأساس- كما قال أناتول فرانس في سخرية- "أن الأخلاق هي مجموعة أهواء المجتمع"؛ وكما قال "أناقارسيس" Anacharsis اليوناني، إنه إذا ما جمعنا كل التقاليد التي تقدسها جماعة ما، ثم حذفنا منها كل التقاليد التي تمجدها جماعة أخرى، ما بقى لنا منها شيء؛ لكن ذلك لا يدل على تفاهة الأخلاق في قيمتها، إنما يدل على أن النظام الاجتماعي قد احتفظ بكيانه بطرائق شتى؛ ولا يقلل اختلاف الطرق هذا من ضرورة النظام الاجتماعي، فلا بد من قواعد يرعاها الناس في اجتماعهم بعضهم ببعض، كأنما الاجتماع لعبة لا مندوحة للاعبين عن مراعاة قواعدها إن أرادوا المضي في اللعب، لا بد للناس أن يعلموا كيف يتصرف زملاؤهم في ظروف الحياة الجارية؛ ومن هنا كان إجماع الناس في المجتمع الواحد على اصطناع أخلاق معينة في سلوكهم لا يقل أهمية عن مضمون هذه