الأخلاق نفسها؛ فإذا تصدينا لتقاليد جماعتنا وأخلاقها بالتنكر والخروج عليها، حين نستكشف في صدر شبابنا أن تلك التقاليد والأخلاق نسبية، فإنما نكشف بذلك عن يفاعة عقولنا؛ ولو أمهلنا أنفسنا عقداً آخر من عقود العمر، تكشف لنا بعدئذ أن التشريع الخلقي الذي ارتضته الجماعة- وهو يلخص خبرة الأجيال المتعاقبة- فيه من الحكمة أكثر مما يكن لأستاذ أن يشرحه لطلابه في سلسلة محاضراته في الجامعة؛ فسنتبين عاجلا أو آجلا ما يثير في صدورنا القلق، وهو أنه حتى هذا الذي لم نستطع فهمه قد يكون صوابا؛ فالأنظمة والمواضعات والتقاليد والقوانين التي هي قوام المجتمع المتعدد الجوانب، إنما هي من صنع مئات الأجيال وبلايين العقول، ولا يجوز لعقل واحد أن يتوقع لنفسه فهمها في مدى الحياة القصير، دع عنك مدى عشرين عاماً؛ فيحق لنا إذن أن نختم بقولنا إن الأخلاق نسبية لكنها ضرورة لا غنى عنها.
فلما كانت التقاليد القديمة الأساسية تمثل الانتخاب الطبيعي في طرائق حياة المجتمع بعد قرون قضاها الإنسان في محاولة وخطأ، فلا بد لنا أن نرجح بعض الفائدة الاجتماعية، أو بعض القيمة في مساعدة الجنس على البقاء، في البكارة والحياء على الرغم من أنهما نسبيان، وأنهما مرتبطان بنظام الزواج بالشراء، ومن أنهما سبب في الأمراض العصبية؛ فالحياء أو الخَفرَ كان بمثابة الكمين في ميدان القتال تلوذ به الفتاة إذا ما تقدم إلى خطبتها الخاطبون، لتختار من بينهم أصلحهم، اختياراً قائماً على روية، أو لتضطر خاطبها أن يهذب من خصاله قبل أن يظفر بها؛ على أن السدود التي أقامها خَفرَ النساء في وجوه شهوات الرجال، هي نفسها التي ولدت عواطف الحب الشعري الذي رفع قيمتها في عينيه؛ واصطناع النظام الذي يهتم بالبكارة قد أدى إلى زوال السهولة واليسر الفطري الذي كانت تتم به الحياة الجنسية البدائية، لكنه من ناحية أخرى، بحيلولته دون التطور الجنسي في سن مبكرة، والأمومة قبل أوانها، قد ضيق الفجوة بين النضج الاقتصادي والنضج