الدم التي تنقل … ووجدت من المستحيل أن تكون مستمدة من عصارات الغذاء الذي يدخل إلى الجسم، دون أن تجف الأوردة تدريجياً، من جهة، وأن تنفجر الشرايين لفرط امتلائها بالدم، من جهة أخرى، إلا إذا وجد الدم له، بطريقة ما، مخرجاً من الشرايين إلى الأوردة، ومن ثم يعود إلى الجانب الأيمن من القلب … أقول إني عندما استعرضت كل هذه البيانات والشواهد، بدأت أفكر في انه يمكن أن يكون هناك، "حركة، كما لو كانت في دائرة. " … والآن يمكن أن أستبيح لنفسي أن أدلي بفكرتي عن الدورة الدموية (١٨).
وتردد طويلاً في نشر النتائج التي توصل إليها، لما كان يعلم من روح المحافظة التي سادت مهنة الطب في عصره. وتنبأ بأن فرد فوق الأربعين لن يقبل نظريته (١٩). وروى أوبري "سمعته يقول إنه بعد صدور كتابه: الدورة الدموية، تدهور تدهوراً شديداً في عمله، حتى أعتقد السوقة أنه قد اختل عقله (٢٠). وحتى أثبت مالبيجي Malpighi (١٦٦٠) وجود الأوعية الشعرية التي تحمل الدم من الشرايين إلى الوردة، لم تكن دنيا العلم تسلم بأن الدورة الدموية الحقيقية واقعة. إن الفكرة الجديدة أضاءت كل مجالان الفسيولوجيا تقريباً وأثرت على المشكلة القديمة، مشكلة العلاقة المتبادلة بين الجسم والعقل. ويقول هارفي:
إن أي شعور في العقل، مصحوب بألم أو لذة، بأمل أو خوف، هو سبب في إثارة يمتد أثرها إلى القلب … وفي كل عاطفة تقريباً … تتغير ملامح الوجه، ويظهر الدم جارياً هنا وهناك. وفي حالة الغضب تتقد العينان، ويتقلص إنسان العين. وفي حالة التواضع تغمر الوجنات حمرة الخجل. أما في حالة الشهوة فما أسرع ما يتضخم أو ينتفخ العضو بالدم (٢١).