مسام في الحجاب الحاجز بين التجاويف. وعارض ليوناردو دافنشي (حوالي ١٥٠٦) فكرة مرور الهواء من الرئتين إلى القلب، وأنكر فيساليوس (١٥٤٣) وجود مسام في الحجاب الحاجز. وكشفت رسومه البارعة للشرايين والأوردة عن أن نهاياتها أو أطرافها دقيقة ومتلاصقة حتى لا تكاد توحي بالمرور والدورة. وأوضح فابريزيو أن الصمامات في الأوردة تجعل من المستحيل تدفق الدم الوريدي من القلب. وتلاشت نظرية جالينوس. واكتشف ميشيل سرفيتس (١٥٥٣)، وريالدوكولومبو (١٥٥٨)، الدورة الدموية الرئوية-أي مروره من الجانب الأيمن من القلب عبر الشريان الرئوي إلى الرئتين ومن خلالهما، وتنقية الدم هناك بوساطة التهوية، وعودته عن طريق الوريد الرئوي إلى الجانب الأيسر من القلب. واستبق أندريا سيسالبينو (حوالي ١٥٧١) -كما سنرى النظرية الكاملة للدورة، وتحولت النظرية إلى حقيقة واضحة جلية بفضل ما قام به هارفي.
وبينما كان فرانسيس بيكون، المريض الذي يتولاه هارفي، يمجد الاستقراء، توصل هرافي إلى النتيجة الرائعة عن طريق الجمع اللافت للنظر بين الاستنتاج والاستقراء. إنه بتقديره كمية الدم المندفع من القلب في كل انقباض أو تقلص بأنها نصف أوقية سائل، حسب أنه في ساعة، لا بد أن يصب القلب في الشرايين، ما يزيد على ٥٠٠ أوقية سائل، وهي كمية تزيد على ما يحتويه الجسم كله، فمن أين يأتي كل هذا الدم. وبدا من المستحيل أن هذا القدر الكبير يمكن أن ينتج من ساعة إلى ساعة، من هضم الغذاء. فاستنتج هارفي أن الدم الذي يخرج من القلب يعاد إليه، وأنه ليس ثمة طريق آخر لهذا سوى الوردة. وبفضل التجارب والملاحظات البسيطة-وعلى سبيل المثال، الضغط بالإصبع على أي وريد سطحي-تبين في الحال وبسهولة، أن الدم الوريدي تدفق من الأنسجة نحو القلب.
عندما استعرضت مجموعة الشواهد التي لدى، سواء ما استقيتها من تشريحات الأحياء وتأملاتي فيها، أو من تجاويف القلب والأوعية التي تدخل إليها أو تخرج منها .... والتي كثيراً ما أمعنت التفكير فيها بشكل جدي .... ما عساها تكون كمية